بحـث
المواضيع الأخيرة
لمس اكتاف - اسامة غريب
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
لمس اكتاف - اسامة غريب
ذات صباح شتوى جليدى فى مونتريال استيقظت من نومى فى البيت الكائن بمنطقة ويست ماونت على جرس يقرع الباب. فتحت فوجدت خواجة مفتخر فارع الطول يشبه الممثل الأمريكى الراحل كارى جرانت، يقف بالباب وعلى شفتيه ابتسامة مهذبة. قبل أن أسأله من يكون وماذا يريد بادر بمد يده مصافحا ومعرفا نفسه: جاك كارتييه المرشح للبرلمان عن منطقة ويست ماونت. نظرت إلى حارس المنزل فأمّن على كلامه. سألته: أى خدمة؟ قال: أتيت لأتعرف على مقترحاتك فى ما يخص برنامج الحزب، كذلك أى طلبات قد تكون للسكان فى ما يخص الخدمات وتطويرها بالحى. دعوته إلى الدخول وقدمت له شايا ودفعنى الفضول إلى تركه يتحدث ويحكى عن حزبه وبرنامجه السياسى، كذلك عن أحلامه فى تطوير ملاعب الحى وحديقته الكبيرة، والمكتبة التى تتوسط الحديقة ومستوى المستشفى ودور الحضانة بالحى والأوتوبيس المسائى وزمن التقاطر، وما إذا كنا نرغب فى جعله يعمل طوال الليل؟ حدثنى أيضا عن المدرسة التى يدرس فيها أبنائى ورغبته فى تطوير خدماتها التعليمية. كنت أستمع إليه وأهز رأسى متصنعا الجدية وباذلا فى الوقت نفسه جهدا لمنع نفسى من الضحك، وكلما أوغل فى الشرح كلما سمعت الصبى العابث داخلى وهو يطلق الضحكات المخلوطة بكلام بذىء يريد أن يشق لنفسه طريقا إلى الخارج! ليس بسبب أى شىء سيئ قاله الرجل -لا سمح الله- ولكن بسبب أن هذا الرجل الطيب لا يعرف من أنا ومن أين أتيت، ولا يدرك أن الحديقة التى يريد أن يطورها هى واحدة من أجمل الحدائق التى رأيتها فى حياتى، والملاعب العامة المتاحة للسكان بالمجان هى خدمة لا يحلم بها من أتى من بلد يبيعون فيه نسمة الهواء للناس، وأن المكتبة الكائنة فى وسطها تعير الكتب لأهل الحى دون فلوس كما تؤجر لهم الأفلام باشتراك سنوى مقداره 20 دولارا فى السنة، وأن الخدمة الطبية الراقية والمجانية تماما بالمستشفى هى شىء لا يستوعبه عقلى الذى لا يحمل سوى ذكريات أليمة عن الطب والتمريض.. ذكريات أتيت بها من مستشفيات وعيادات فى وطن يقتل الفقراء إذا مرضوا عن قصد، ويقتل الأغنياء إذا مرضوا بعد أن يسلبهم فلوسهم.. عن جهل! وأى مدرسة تلك التى يريد تطوير الخدمات التعليمية فيها؟ هل هى المدرسة التى تضم عشرة تلاميذ فقط فى الفصل الواحد والتى يتناول فيها أولادى وجبتين فى اليوم؟ هل هى المدرسة التى بها معامل وملاعب ومسارح وجيم رياضى؟ هل هى المدرسة التى أرسلت لى خطابا مليئا بالأسف والاعتذار لاضطرارهم إلى طلب التبرع بمبلغ 25 دولارا لمن يرغب من أولياء الأمور من أجل المشاركة فى الأنشطة الاجتماعية مع تأكيدهم حقى فى الرفض لأن التعليم فى كندا بالمجان!
ماذا يريد منى هذا الرجل؟ وأى اقتراحات يمكننى أن أقدمها له فى ما يتعلق بخدمات الحى الذى من فرط نظافته وبهائه يصيبنى بالضيق والحزن على حال أهلى وناسى الذين تركتهم ورائى للمسؤولين فى مصر يفترسونهم! وأما عن حزبه وبرنامج حزبه فمالى أنا إذا كانوا يبيحون الإجهاض أو يجرمونه؟ ومالى إذا قلصوا وارداتهم من الولايات المتحدة أو فتحوا باب الاستيراد على البحرى؟ وما شأنى بزيادة الضريبة على التبغ؟ وماذا يعنينى إذا كانوا يسمحون بإدخال المارلبورو الأمريكى الأحمر فى الحال أم ينتظرون حتى تستجيب شركة فيليب موريس للطلب الكندى وتوافق على وضع صورة الجمجمة المخيفة على علب السجاير!
هذا الرجل لا يعرف أنه فى الوقت الذى يحدثنى هذا الحديث، فإننى كنت أتابع على النت أخبار الانتخابات البرلمانية فى بلدى التى كانت تجرى فى نفس الوقت، ولا يعرف أننى كنت أتنقل مثل المجنون من موقع إلى موقع لأعرف آخر أخبار التزوير فى هذه الدائرة أو تلك، وعدد القتلى الذين سقطوا بسبب إصرارهم على الإدلاء بأصواتهم، وأتابع صور الذين تسلقوا الأسوار معرضين أنفسهم لضربات عصى الأمن الذى منع الناس من التصويت. هذا الرجل لا يعرف شيئا من ذلك وأنّى له أن يعرف! شكرته ووعدته خيرا ولكن بعد انصرافه غرقت فى بحر من الحزن لأنه دون أن يقصد أهاج مشاعرى وجعلنى أدرك الحقيقة التى لم أكن أعرفها.. أدركت أننى لا أستطيع أن أنتمى إلى وطن غير مصر ولا أستطيع أن أحظى بالسعادة فى مكان آخر.. هى لعنة أو شىء أقرب إلى اللعنة، هذه الذاكرة التى ربطتنى بهذا الوطن.. هى لعنة أو شىء يشبه اللعنة هذه الروابط التى تشدنى إلى القرية الظالمة التى يلتهم فيها القوى الضعيف، بينما تجعلنى عاجزا عن الاندماج فى المجتمع الكندى الذى أستطيع أن أتحدث لغته بسهولة ومع ذلك فليست لى أحلامه ولا تشغلنى همومه ولا أرى نفسى واحدا من أهله، وذلك على الرغم من ترحيبهم بى ومودتهم الغامرة.
هل يفهم الأصدقاء الآن لماذا عدت من هناك، أم تراهم سيظلون يلاحقوننى بالسؤال الذى يحمل اتهاما واضحا لى بأننى رجل فقرى وسأندم على النعمة التى تبطرت عليها بعد أن تركت مكانا يهاجر إليه حتى الأوروبيين من فرنسا وألمانيا وإنجلترا لأنه الأول على مستوى العالم فى صيانة حقوق الإنسان وكرامته، وعدت إلى وطن تم تثبيت أكتافه وأصبح أشبه بوضع مصارع جاهد وحاول الصمود حتى تغلب عليه الوحش وجابه لمس أكتاف!
ماذا يريد منى هذا الرجل؟ وأى اقتراحات يمكننى أن أقدمها له فى ما يتعلق بخدمات الحى الذى من فرط نظافته وبهائه يصيبنى بالضيق والحزن على حال أهلى وناسى الذين تركتهم ورائى للمسؤولين فى مصر يفترسونهم! وأما عن حزبه وبرنامج حزبه فمالى أنا إذا كانوا يبيحون الإجهاض أو يجرمونه؟ ومالى إذا قلصوا وارداتهم من الولايات المتحدة أو فتحوا باب الاستيراد على البحرى؟ وما شأنى بزيادة الضريبة على التبغ؟ وماذا يعنينى إذا كانوا يسمحون بإدخال المارلبورو الأمريكى الأحمر فى الحال أم ينتظرون حتى تستجيب شركة فيليب موريس للطلب الكندى وتوافق على وضع صورة الجمجمة المخيفة على علب السجاير!
هذا الرجل لا يعرف أنه فى الوقت الذى يحدثنى هذا الحديث، فإننى كنت أتابع على النت أخبار الانتخابات البرلمانية فى بلدى التى كانت تجرى فى نفس الوقت، ولا يعرف أننى كنت أتنقل مثل المجنون من موقع إلى موقع لأعرف آخر أخبار التزوير فى هذه الدائرة أو تلك، وعدد القتلى الذين سقطوا بسبب إصرارهم على الإدلاء بأصواتهم، وأتابع صور الذين تسلقوا الأسوار معرضين أنفسهم لضربات عصى الأمن الذى منع الناس من التصويت. هذا الرجل لا يعرف شيئا من ذلك وأنّى له أن يعرف! شكرته ووعدته خيرا ولكن بعد انصرافه غرقت فى بحر من الحزن لأنه دون أن يقصد أهاج مشاعرى وجعلنى أدرك الحقيقة التى لم أكن أعرفها.. أدركت أننى لا أستطيع أن أنتمى إلى وطن غير مصر ولا أستطيع أن أحظى بالسعادة فى مكان آخر.. هى لعنة أو شىء أقرب إلى اللعنة، هذه الذاكرة التى ربطتنى بهذا الوطن.. هى لعنة أو شىء يشبه اللعنة هذه الروابط التى تشدنى إلى القرية الظالمة التى يلتهم فيها القوى الضعيف، بينما تجعلنى عاجزا عن الاندماج فى المجتمع الكندى الذى أستطيع أن أتحدث لغته بسهولة ومع ذلك فليست لى أحلامه ولا تشغلنى همومه ولا أرى نفسى واحدا من أهله، وذلك على الرغم من ترحيبهم بى ومودتهم الغامرة.
هل يفهم الأصدقاء الآن لماذا عدت من هناك، أم تراهم سيظلون يلاحقوننى بالسؤال الذى يحمل اتهاما واضحا لى بأننى رجل فقرى وسأندم على النعمة التى تبطرت عليها بعد أن تركت مكانا يهاجر إليه حتى الأوروبيين من فرنسا وألمانيا وإنجلترا لأنه الأول على مستوى العالم فى صيانة حقوق الإنسان وكرامته، وعدت إلى وطن تم تثبيت أكتافه وأصبح أشبه بوضع مصارع جاهد وحاول الصمود حتى تغلب عليه الوحش وجابه لمس أكتاف!
رد: لمس اكتاف - اسامة غريب
عزيزي المهاجر اينما كنت
لاتحزن عل شعب اراد له الله ان يحيا كما خلقهم احرار
فأبوا الا ان يصيروا عبيد لجلاديهم
لاتحزن عل شعب اراد له الله ان يحيا كما خلقهم احرار
فأبوا الا ان يصيروا عبيد لجلاديهم
فاطمة فيصل- مشرف عام
- عدد المساهمات : 1136
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 29/09/2010
مواضيع مماثلة
» عن جدوى الكتابة - اسامة غريب
» اسامة غريب -صوتى للمناضل عبد المنعم أبو الفتوح
» يوتيوب غريب عن اليوم السابع
» مشاهد يوم الانتخاب
» رد على سؤال عن العلاقه بين الدكتاتورية و العدل
» اسامة غريب -صوتى للمناضل عبد المنعم أبو الفتوح
» يوتيوب غريب عن اليوم السابع
» مشاهد يوم الانتخاب
» رد على سؤال عن العلاقه بين الدكتاتورية و العدل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 07 فبراير 2023, 19:43 من طرف اخوكم احمد
» شوت ايديا لادارة صفحات الفيس بوك المواقع الالكترونية وانشاء اعلانات الفيس بوك ويوتيوب shoot idea
الخميس 24 يونيو 2021, 05:44 من طرف shootidea
» ادارة صفحات السوشيال ميديا , اعلانات فيس بوك shoot idea
الثلاثاء 22 يونيو 2021, 06:57 من طرف shootidea
» بالأرقام.. ننشر فروق استهلاكات الكهرباء بين اللمبات العادية والليد
الأربعاء 04 ديسمبر 2019, 13:30 من طرف اخوكم احمد
» متصفح أوبرا الجديد يوفر 90% من فاتورة الإنترنت
الإثنين 02 ديسمبر 2019, 12:04 من طرف اخوكم احمد
» الرقم البريدى للمطرية القاهرة
الثلاثاء 01 أكتوبر 2019, 13:49 من طرف اخوكم احمد
» [رقم هاتف] رئاسة حى المطرية 44 ش الكابلات ميدان المطرية ..مصر
الإثنين 08 يوليو 2019, 16:16 من طرف اخوكم احمد
» قائمة السلع والخدمات المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة
الإثنين 05 فبراير 2018, 16:24 من طرف اخوكم احمد
» قاعات افراح .. بحميع محافظات مصر ... وبالاسعار والعنوانين
الأربعاء 10 يناير 2018, 12:48 من طرف اخوكم احمد
» محلات المطرية
الإثنين 01 يناير 2018, 12:32 من طرف اخوكم احمد