الي كل من كتب الله تعالي له الحج هذا العام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل بيته العتيق مثابة للناس وآمنا , ومباركا وهدي للعالمين . وجعل حجه ركنا من أركان الاسلام التي بني عليها . بل جعله عبادة العمر وتمام الأمر والطريق الي غفران الذنوب جميعها . وإن من الذنوب ذنوبا لا يغفرها الا الوقوف بعرفة . وفي الحديث : ( حجة مبرورة خير من الدنيا ومافيها , وحجة مبرورة ليس لها جزاء الاالجنة )
والحج عبادة مالية وبدنيه , وجهاد في سبيل الله , شرعه الله لعبادة المحتاجين اليه رحمة بهم . ومنة عليهم . وأصله موجود في الشرائع القديمة , فقد اقتضت حكمته تعالي أن يجعل لكل أمة متعبداً معظم القدر , وموضعا يأنسون اليه ويتبركون به لظهور آيات الله فيه .
والحج إحرام من الميقات , وطواف حول البيت , وسعي بين الصفا والمروة , ووقوف بعرفة , وإفاضة الي مزدلفة , ورمي حجرات بمني , واراقة دم من بهيمة الأنعام في بعض الأحوال , وحلق أو تقصير للتحلل من الاحرام وإعلان الانتهاء من الالتزام . وفي كل من هذه الأمور وما يتصل بها تذكرة للمتذكر , وعبرة للمعتبر ,وتنبيه للمريد الصادق والحاج الفطن الي حقيقة مايريد الشارع من رسومه وشعائرة . ليحرص من ذلك علي مايهديه اليه صفاء قلبه .
فالأحــــرام : هو نية الحج أو العمرة أو هما معاً ممن يريد ذلك . عند الميقات أو قبله . بعيدة عن حظوظ الدنيا وأغراضها . وسميت إحراما لأن المقصود بها الدخول في حرمات الحج والعمرة والتزامها . وأداء ماشرع من أجلها . ومن مكملات هذه النية : التجرد من المخيط بالنسبة الي الرجال , وتجنب مظاهر الزينة والتجمل والترفه , لكل من الرجال والنساء , كإزالة الشعر وتعديل الحواجب والشوارب , وتقليم الأظافر , واستعمال الطيب في البدن أو الثياب وترك الرفث والفسوق والجدال , وامتناع كل من الزوجين عن الاتصال المعروف أو أسبابه , والأمتناع كذلك عن صيد البر أو قتله أو المعاونة في ذلك ولو بأشارة أو دلالة . { لا تقتلوا الصيد وانتم حرم } . { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة , وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرماً }.
كل ذلك بسبب الدخول في أعمال النسك بعد تأكد هذه النية بالتليبة , التي يعلن بها الحاج من أول الأمر أنه مجيب لدعوة ربه , مستسلم لحكمتة ممتثل لأمره , مقر بالحمد له والثناء عليه .
ومن هنا كانت التلبية مطلوبة من الحاج والمعتمر في كل حركة من حركاته وفي كل حال تتغير من أحواله : في قيامه وجلوسه , وفي صعوده ونزوله , وعند أكله وشربه , وعند نومه واستيقاظه . وفي لقائه للرفاق أو مفقارقته لهم , لأنها نشيد الحج والعمرة ورفيقه مظاهر الاحرام واعماله . لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك ,إن الحمد والنعمة لك والملك , لا شريك لك .
والطواف : هو الدوران حول الكعبة المشرفة بنيته سبع مرات , يبدأ كل منها من عند الحجر الأسود وينتهي عنده : في المكان المعد للطائفين , وعلي الطريقة التي سنها رسول الله صلي الله عليه وسلم منذ قال : ( خذوا عني مناسككم ) تحقيقا لمفهوم الأخوة والمساواة والوحدة .
وهو في المعني صلاة الا أن الله أباح فيه الكلام , وهو أجل شيْ يجده العبد في صحيفتة يوم القيامة فطوبي لمن أكثر منه .
وإنه لتوجيه الي التزام جادة الشريعة في الأمور كلها : عامها وخاصها , والي الوقوف عند حدود الله وما رسمه لعباده , وتنبيه علي من حماه والسير في المسار الذي هدي اليه , وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه. وكما لا يصح لمسلم أن يطوف علي خلاف ماعرف عن الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه فكذلك لا يصح ان يكون في سلوكه ومعاملاته مخالفا عن تعاليم ربه , مجافيا لشريعته التي ارتضاها لخلقه . ذلك مايهدي اليه الطواف .وما من أجله شرع الله فيه ذكر الله , وشرع الابتهال والمناجاة , بما لا يوجه إلا لله ولا يرجي الا من الله , وطلب من الطائف الخشوع , والتبتل , والدعاء , والصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم . وخفض الصوتوكمال الأدب . وأستحضار عظمة صاحب البيت والثناء عليه بما هو أهله . لبيك اللهم لبيك : لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك , لا شريك لك .
والسعي بين الصفا والمروة تمثل أشواطه السبعة صورة التردد مرة ومرة رجاء إدراك خير مأمول . وترمز الي وجوب الصبر علي سلوك الطريق الموصل الي الغاية ايمانا بالله وتصديقا بوعده وانتظارا لما عنده . هذا الي ما فيه من التذكير بما كان من أم اسماعيل ومنة ربها عليهما وعلينا جميعا بزمزم المباركة .
فأما الوقوف بعرفة : والحج عرفة . والحج كما جاء في الحديث الصحيح . فالمراد منه في الصورة الوجود بأرضها بوقوف او قعود أو اضطجاع أو نوم او نحوها في الوقت المعين , والمقصود الحقيقي تسليم النفس لله واشعارها انه لا حول ولا قوة الا بالله ولا طلب الا من الله ولا استعانه الا به ولا لجوء إلا اليه , زاستمطار رحمته ومغفرته واظهار التذلل والضراعه اليه , والاقرار له بالذنب . والبكاء بين يديه في هذه الساحه الرضوانية , رغبه اليه ورهبة من سطوته .تحقيقا لما يردد اللسان من قوله : لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك .والافاضة الي مزدلفة والمشعر الحرام , وأداء الشعائر المطلوبه هناك , ثم التوجه الي مني مطلع يوم النحر ورمي جمراتها في ايام الرمي كلها , وذبح الهدي ممن وجب عليه تذكيرا بفعل ابراهيم حين هم بذبح ولده وبالمنه العظيمة عليه وعلينا في فدائه .
هذا هو الحج وماتوميء اليه اركانه وشعائره ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب ) فمن كان حاجا فاليتدبر مايريد وليلتفت الي الحكمة المقصودة مما شرع الله , وليعلهد ربه في بيته ومشاعر فريضته عهد الولاء والوفاء والعبودية الخالصة ألا يكون منه منذ الآن الا البر والإحسان , والا الطاعة والامتثال .
لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك , لا شريك لك , وصلي الله علي سيدنا محمد عبد الله ورسوله وعلي
آهله وصحبه وسلم تسليما .

اللهم بتغ كل من يريد حج بيتك العتيق مبلغه اللهم أمين .

منقول من كتاب كيف تعتمر وتحج
لكاتبه \ عبد العزيز محمد عيسي
من علماء الأزهر













































ز

بارك الله فيك
نقل موفق جعله الله في ميزان حسناتك

الأخ الكريم \ علي القاضي
شكرا جزيلا . ويارب يمن الله علينا جميعا في العام القادم ونجتمع علي جبل عرفات . آميـــن

أختكم \ فاطمه فيصل