برما هربانة منه

مدرسة برما
برما هربانة منه - عمر طاهر
منقول من جريدة التحرير
«كل ثلاثاء»
كان برما متوترًا، لا على حامى ولا على بارد، أشفقتُ عليه، فطلبتُ منه أن يكتب هو مقال اليوم ليعبر عما يدور فى نفسه، فربما تجعله الكتابة يفرِّغ أى أتربة متراكمة فوق خلايا روحه، تركنى عابرًا الشارع باتجاه مكتبة «سمير وعلى»، ثم عاد بكراسة وجه ووجه وقلم فرنساوى، ثم طلب قهوة على الريحة، تركته على ناصية المقهى يكتب بينما وضعت السماعات فى أذنى واستسلمت تماما لـ«بلاى لِست» من أغانى أنغام.
بعد قليل كنت أمسك بالكراسة أتأمل ما كتبه برما..
صديقى العزيز، لا أعرف إن كنت من هواة قراءة المقال عبر النسخة الورقية أم عبر النسخة الإلكترونية، فى كل الأحوال أنا لا أشعر بك، وبينما أنت تقرأ مقالى قد أكون نائما أو فى الحمام أتابع ما يجرى على «تويتر»، لكنك واحشنى والله، وأشعر فى غيابك بتعاسة كأنك موجود بالضبط، لدىّ الكثير لأفضفض به لك، أود فى البداية أن أقول لك إن سر التميز يكمن فى التزامك بكل ما لا يلتزم الناس به، وفى هذا يكمن أيضا قليل من الوجع، فتحمّل، خصوصًا أن العادة نصّت على وجود ارتباط شرطى بين الحلاوة والنار، يقولون فى بلاد بره «إنه زمن الذكاء الاصطناعى فى محاولة للحد من تأثير الغباء الطبيعى»، لذلك أنصحك فى بلاد جوه بأن تجتهد لتكون حكيمًا، تسألنى كيف أصبح كذلك، أقول لك إن الواحد يتعلم الحكمة عندما لا يصبح أمامه أى اختيارات، فلا تقلق، وحاول أن تتمسك بالشخص الجديد الذى يظهر بداخلك كل فترة، قائلا لك أفكارًا تتمرد على استقرار زائف فى حياتك، هذا الشخص نعمة كبيرة لا تفرط فيها، لكن هذا لا يمنع من أن تكون طول الوقت مستعدًا للحظة التى ستحزن فيها على التخلص من الكراكيب.
صديقى الغالى بينما تقرأ هذا المقال قد أكون بازور ماما التى ما زالت تسأل بابا منذ أربعين عامًا وحتى اليوم (إنت اتجوزتنى ليه)، أنا شخصيا أصدق مقولة «أن الشخص السعيد فعلا ليس الشخص الذى توج قصة حبه بالزواج، ولكنه الشخص الذى توج قصة زواجه بالحب»، وأصدق إحدى بطلات فيلم أجنبى تجارى تافه عندما قالت «إن وجه الشبه كبير بين الرجل ونبات الفراولة، فكلاهما يأخذ وقتًا طويلا للنضج ويفسد بسرعة»، صدقتها لكننى وقعت فى غرام صديقتها التى ردت عليها قائلة «ليس حقيقيًّا أن النساء يُعجبن بلاعبى كرة القدم، فلاعب كرة السلة أجدر بالإعجاب، لأنه (بينطّق الكرة كتير قبل ما يشوط)».
صديقى العزيز بينما تقرأ هذا المقال قد أكون ممسوكا فى لجنة، لن أقول لأمين الشرطة إنت مش عارف أنا مين؟ لأن «أنا مش عارفنى» أصلا، أنا من قبيلة وائل جسار «كل دقيقة شخصية» لكننى تمردتُ عليه وأسست لنفسى مذهبًا جديدًا اسمه «كل شخصية دقيقة بالكتير» الأمر الذى يفسر لماذا قد يعبر شخص ما عن وجهة نظرى فيّا بعد مرور ساعة، ستين دقيقة كاملة، من حوارنا معًا قائلا «إنت ابن ستين مجنونة».
صديقى العزيز بينما تقرأ هذا المقال قد أكون مشغولا بقياس ضغط الدم فى الصيدلية اللى تحت البيت، لدىّ جهاز ديجيتال لكننى لا أصدقه، والمفاجأة أننى لا أصدق أيضا الكشف بالمنفاخ والسماعة، لذلك أنصحك يا عزيزى إذا كانت لديك عاهة فيجب أن تعتمد على نفسك فى التعرف عليها، ولا تسأل أحدًا فسوف تكره الإجابة فى كل الأحوال، ولكى تفهم كلامى، هناك قصة عن ملك بعين واحدة وساق واحدة طلب أن يرسم له أحد الرسامين لوحة كبيرة، جاء الأول فرسم الملك كما رآه بعين واحدة وساق واحدة فغضب الملك وأعدمه، وجاء الثانى فرسم الملك بعينين سليمتين وساقين فغضب الملك وأعدمه، وجاء الثالث فرسم الملك من الوضع الجانبى بحيث تظهر ساقه وعينه السليمتان دون أن يُظهر أيًّا من عاهتيه، فأُعجب الملك بذكاء الرسام وأجزل له العطاء ثم أعدمه برضه.