بحـث
المواضيع الأخيرة
هل نكذب أعيننا لنرضيكم؟! للكاتب علاء الاسواني
صفحة 1 من اصل 1
هل نكذب أعيننا لنرضيكم؟! للكاتب علاء الاسواني
منذ أكثر من شهر، اتصل بى المسؤولون فى قناة «أرتيه» الفرنسية وطلبوا تسجيل حلقة لمدة ساعة عن أعمالى الأدبية.. قناة «أرتيه» أهم قناة ثقافية فى فرنسا، ولا شك أن تخصيصها برنامجاً خاصاً عن أديب مصرى شىء جيد لى وللأدب المصرى. وافقت على التسجيل واتفقنا على يوم السبت الماضى، وفى الساعة الثانية ظهرا، طبقا للموعد، وصل الصحفيون الفرنسيون إلى عيادتى فى جاردن سيتى فلاحظت أنهم فى حالة غير طبيعية. كانوا منهكين وبدت عليهم علامات قلق.
سألتهم فأخبرونى أنهم باتوا ليلتهم فى فندق الإسماعيلية الذى يطل على ميدان التحرير (الذى صار رمزا مشهورا للثورة فى العالم كله).. استيقظ الفرنسيون فى الصباح على صوت إطلاق نار، ورأوا بأعينهم قوات الأمن والجيش تطلق النار على المتظاهرين وتعتدى عليهم بوحشية وتهتك أعراض المتظاهرات (كما رأينا جميعا) فما كان منهم إلا أن فتحوا كاميراتهم وبدأوا يصورون الاعتداءات على المتظاهرين.. بعد نصف ساعة، فوجئوا بمجموعة من البلطجية يكسرون عليهم باب الحجرة ويعتدون عليهم بالضرب باستعمال عصى حديدية ثم قاموا بكسر بعض الكاميرات، ولم يتوقفوا إلا بعد أن أكدوا لهم أنه لم تعد معهم أفلام تصور الاعتداءات على المتظاهرين.
أسفت بالطبع لهذه الحادثة وسألت المصورين الفرنسيين: ماذا تريدون أن تفعلوا الآن..؟!
فقالوا إنهم يعتقدون أنه لا فائدة من إبلاغ السلطات لأنها فى رأيهم هى التى دبرت الاعتداء عليهم، ثم أكدوا أنهم مصرون على تسجيل البرنامج الثقافى معى. كان يفترض أن يصوروا جزءًا من الحلقة فى عيادتى، وجزءا على مركب فى النيل، وجزءًا ثالثاً فى نادى جاردن سيتى. انتهينا من تصوير الجزء الخاص فى العيادة، ونزلت مع الصحفيين الفرنسيين لنتوجه إلى المركب الذى استأجروه لتصوير الجزء الثانى ففوجئت ببضعة أشخاص لا أعرفهم ينتظروننا تحت البيت.. تقدم أحدهم منى وقال:
ــ لا تتكلم مع هؤلاء الخواجات لأنهم جواسيس.
قلت له:
ــ هؤلاء ليسوا جواسيس. إنهم صحفيون فرنسيون محترمون كما أن معهم التصاريح اللازمة للتصوير فى الشارع.
فوجئت بهذا الشخص يصيح بشتائم مقذعة فى حقى، وكاد وأصحابه يعتدون علينا لولا تدخل سكان الشارع الذين منعوه. كان واضحا أن الهجوم مدبر. حررت محضرا بالواقعة فى القسم وذهبت مع طاقم التليفزيون الفرنسى وسجلنا الحلقة التى سوف تذاع يوم 8 يناير.. وبعد يومين، كنت عائدا إلى البيت عندما اتصل بى الجيران محذرين من أن الشخص نفسه الذى حاول التعدى على مع ضيوفى الفرنسيين يقف تحت البيت ومعه عشرون شخصا يشتموننى ويهددون بالاعتداء على، فى محاولة لترويع أسرتى. تدخل السكان مرة أخرى وأبعدوهم، وحررت ضده محضرا جديدا..
وفى الليلة نفسها، ظهرت فتاة متظاهرة اسمها «هدير مكاوى» مع الإعلامى الكبير «وائل الإبراشى»، وقالت إن أفراد الشرطة العسكرية قبضوا عليها وهددوها بصواعق كهربائية وأجبروها على تصوير فيديو تتهمنى فيه مع الصديق الفنان الثورى خالد يوسف بأننا حرضناها وزملاءها على الاعتصام والتخريب. الفتاة سجلت ما طلبوه منها، لكن ضميرها استيقظ فاتصلت بالإعلام لتقول الحقيقة.. فى الليلة نفسها، ظهر مذيع وثيق الصلة بأجهزة الأمن ليقول إننى، بعد واقعة تسمم المتظاهرين بطعام الحواوشى، ذهبت إلى اعتصام مجلس الوزراء وحرضت المعتصمين على تكسير الكاميرات التى تصورهم من مجلس الوزراء.
الواقعة كاذبة مختلقة من أساسها. لقد ذهبت متضامنا مع المعتصمين أكثر من مرة وعقدت معهم ندوات ورأيت فيهم مجموعة من أشجع وأشرف شباب مصر لكننى لم أذهب إلى الاعتصام إطلاقا بعد واقعة الحواوشى.. المذيع كاذب وضابط أمن الدولة الذى لقنه هذا الكلام الخائب فقير الخيال. فى اليوم التالى نشرت جريدة قومية يومية أن هناك خطة لاغتيالى مع مجموعة من المنتمين إلى الثورة. الخبر غريب لأنه يؤكد أن خطة اغتيالنا سيقوم بها عملاء سوريون وإيرانيون، أما مصدر الخبر فهو أحد المسؤولين فى البيت الأبيض. يصعب على أن أصدق أن النظام الإيرانى المشتبك مع الغرب من أجل برنامجه النووى أو النظام السورى الذى يقتل شعبه ويخوض معركته الأخيرة للبقاء، يجد أحدهما من الوقت والجهد ما يجعله يقتل مواطنين مصريين.. الأغرب أن مسؤولا فى البيت الأبيض يترك كبريات الصحف العالمية لكى يتصل بصحفى فى جريدة مصرية ليخصه بهذا السبق الصحفى. فى اليوم التالى، خرجت مجلة قومية، على غلافها صورتى مع زملاء آخرين، وقد كتبت بالبنط الكبير «المحرضون»..
أصبحت الحقيقة واضحة. المجلس العسكرى، بمعاونة جهاز أمن الدولة وأتباعه فى الإعلام، يشن حربا ضارية لإرهاب كل الذين انتقدوا الجرائم التى تم ارتكابها ضد المتظاهرين.. الهدف تشويه صورة المنتقدين لسياسات المجلس العسكرى وترويعهم حتى يخافوا ويسكتوا عن الحق.. المطلوب أن نكذب أعيننا لنرضى المجلس العسكرى. المطلوب أن نرى بنات مصر يسحلن وتنتهك أعراضهن بواسطة جنود الجيش ونرى الشهداء يتساقطون بالرصاص الحى ثم نسكت وكأننا لم نر شيئا. المطلوب أن نخالف ضمائرنا ونسكت على هذه الجرائم حتى نحظى برضا المجلس. لن يحدث ذلك أبدا. لن ننسى الجرائم البشعة التى ارتكبها الجنود ضد متظاهرين سلميين فى ماسبيرو ومحمد محمود وشارع مجلس الوزراء..
هذه المذابح جميعا مسجلة بالصوت والصورة، والمسؤول الوحيد عنها المجلس العسكرى.. هذه الحقيقة التى سنظل نقولها ونكررها، وليفعل المجلس العسكرى ما يريد، فحياتنا لن تكون أبدا أغلى من حياة شبان وشابات الثورة الذين قتلهم حسنى مبارك ثم استمر المجلس العسكرى فى قتلهم.. ليس ما يفعله المجلس العسكرى غريبا أو غامضا.. إنه يطبق خطة محددة لاحتواء الثورة ثم إجهاضها تماما حتى تصبح كأن لم تكن. هذه الخطة تم تطبيقها بحذافيرها فى بلاد أخرى. فى عام 1989، ثار الشعب الرومانى ضد الطاغية «شاوشيسكو»، وامتنع الجيش عن مساندة الطاغية فتمت محاكمته وأعدمه الثوار مع زوجته «إيلينا»، ثم تولى السلطة فى الفترة الانتقالية أحد مساعدى شاوشيسكو واسمه «إيون إيليسكو». امتدح «إيليسكو» الثورة واحتفى بها فى البداية ثم حدث انفلات أمنى رهيب فى رومانيا (تبين فيما بعد أنه من تخطيط «إيليسكو»)..
بدأت مجموعات من الأشخاص المجهولين يهاجمون بيوت الناس والمنشآت الحيوية، وراح جنود الجيش يتصدون لهم حتى أصبحت رومانيا ميدان حرب مما تسبب فى إحساس المواطنين بالهلع وانعدام الأمن.. مع الانفلات الأمنى المتعمد ارتفعت الأسعار وأصبحت الحياة صعبة للغاية.
فى الوقت نفسه، لعب الإعلام الخاضع للنظام دورا مزدوجا، فهو من ناحية ساهم فى نشر الذعر عن طريق الشائعات الكاذبة المتوالية، وفى الوقت نفسه، راح الإعلام يمعن فى تشويه صورة الثوريين، وتوالت الاتهامات لمن قاموا بالثورة بأنهم خونة وعملاء، يقبضون أموالا من الخارج من أجل إسقاط الدولة وتخريب الوطن. مع الهلع والأزمات الطاحنة، تأثر المواطنون بحملات التشويه الإعلامى وبدأوا يصدقون فعلا أن الثوار عملاء.. وعندما أحس الثوار بأن «إيليسكو» يسعى لإجهاض الثورة نظموا مظاهرة كبيرة رفعت شعار:
«لا تسرقوا الثورة».. فما كان من «إيليسكو» إلا أن وجه نداء فى التليفزيون إلى المواطنين الشرفاء (لاحظ تكرار التعبير) وطالبهم بالتصدى للخونة وقام «إيليسكو» سرا باستدعاء آلاف العمال من المناجم وأشرف على تسليحهم، فاعتدوا على الثوريين وقتلوا أعدادا كبيرة منهم.. كانت هذه نقطة النهاية لثورة رومانيا.. فقد استتب الأمر بعد ذلك لـ«إيون إيليسكو» ورشح نفسه للرئاسة وفاز بالمنصب لدورتين متتاليتين فى انتخابات مزورة.. وهكذا، بعد أن كانت الثورة الرومانية مفخرة تحولت إلى مادة للتندر والسخرية...
فقد قام الرومانيون بثورة عنيفة وسقط منهم شهداء كثيرون، وفى النهاية، بدلا من الطاغية شاوشيسكو تسلم الحكم مساعده إيليسكو.. لاحظ من فضلك ما يفعله الآن الفريق أحمد شفيق (الذى يلعب دور إيليسكو فى النسخة المصرية).. هذا الرجل تقدم ضده العاملون فى الطيران المدنى بعدد 42 بلاغا للنائب العام، يتهمونه بإهدار المال العام والفساد.. لكن النائب العام لم يحقق فى البلاغات منذ شهر مارس وحتى الآن، وها هو السيد شفيق يقود حملة انتخابية كبيرة من أجل أن يتسلم السلطة كرئيس لمصر، لتنتهى ثورة مصر تماما كما انتهت ثورة رومانيا.. الحق واضح بين.. أى إنسان منصف مهما يكن اتجاهه السياسى لا يمكن أن يرى البنات المسحولات المنتهكات والشهداء المقتولين بالرصاص ولا يدين المجلس العسكرى.
أستشهد هنا بأحد كبار المقاتلين فى القوات المسلحة.. اللواء صاعقة متقاعد «حمدى الشوربجى»، الذى وجه رسالة إلى المجلس العسكرى على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك) (وأعاد نشرها موقع مصراوى). يقول اللواء «الشوربجى» إن القمع الذى مورس ضد المتظاهرين المصريين يصدر من قلة مريضة نفسيا من الضباط والجنود يملكون السلطة ولا يملكون شرف المهنة أو الضمير. ويؤكد سيادته أنه شهد بنفسه أسر 28 جنديا إسرائيليا خلال حرب أكتوبر 1973، ورأى كيف عاملهم الجيش المصرى معاملة كريمة، أما قتل المصريين وهتك أعراض المصريات، فإن اللواء «الشوربجى» يعتبر هذه التصرفات عارا على الجيش المصرى.
الآن.. ما العمل؟
أولا: يجب تشكيل لجنة تحقيق فى المجازر التى ارتكبها أفراد الشرطة والجيش ضد المتظاهرين، على أن تكون هذه اللجنة مستقلة تماما عن جهاز الدولة الذى لايزال تابعا لنظام مبارك.. يجب أن يترأس اللجنة قاض مستقل مشهور له بالنزاهة، مثل المستشار زكريا عبدالعزيز أو أشرف البارودى أو محمود الخضيرى، على أن تملك اللجنة حق التحقيق مع العسكريين والمدنيين على السواء. هذه اللجنة سوف تحقق العدالة وتعاقب كل من أجرموا فى حق الشعب المصرى.
ثانيا: بالرغم من تحفظاتى على الانتخابات، فإن مجلس الشعب القادم هو الهيئة الوحيدة المنتخبة التى تمثل إرادة الشعب، ولابد من منحه صلاحيات مطلقة لتشكيل حكومة بدلا من حكومة الجنزورى المفروضة على الشعب.
ثالثا: يجب التعجيل بانتخابات رئيس الجمهورية، لأن الوضع فى مصر تأزم بشكل لن يعالجه إلا انتقال السلطة من المجلس العسكرى إلى رئيس منتخب.
هذه الخطوات الثلاث ضرورية للخروج من الأزمة. وليعلم كل من يريد إجهاض الثورة أن ملايين المصريين الذين ثاروا من أجل الحرية لن يسمحوا أبدا بإجهاض ثورتهم أو سرقتها.
الثورة سوف تنتصر بإذن الله.. لتبدأ مصر المستقبل.
الديمقراطية هى الحل
سألتهم فأخبرونى أنهم باتوا ليلتهم فى فندق الإسماعيلية الذى يطل على ميدان التحرير (الذى صار رمزا مشهورا للثورة فى العالم كله).. استيقظ الفرنسيون فى الصباح على صوت إطلاق نار، ورأوا بأعينهم قوات الأمن والجيش تطلق النار على المتظاهرين وتعتدى عليهم بوحشية وتهتك أعراض المتظاهرات (كما رأينا جميعا) فما كان منهم إلا أن فتحوا كاميراتهم وبدأوا يصورون الاعتداءات على المتظاهرين.. بعد نصف ساعة، فوجئوا بمجموعة من البلطجية يكسرون عليهم باب الحجرة ويعتدون عليهم بالضرب باستعمال عصى حديدية ثم قاموا بكسر بعض الكاميرات، ولم يتوقفوا إلا بعد أن أكدوا لهم أنه لم تعد معهم أفلام تصور الاعتداءات على المتظاهرين.
أسفت بالطبع لهذه الحادثة وسألت المصورين الفرنسيين: ماذا تريدون أن تفعلوا الآن..؟!
فقالوا إنهم يعتقدون أنه لا فائدة من إبلاغ السلطات لأنها فى رأيهم هى التى دبرت الاعتداء عليهم، ثم أكدوا أنهم مصرون على تسجيل البرنامج الثقافى معى. كان يفترض أن يصوروا جزءًا من الحلقة فى عيادتى، وجزءا على مركب فى النيل، وجزءًا ثالثاً فى نادى جاردن سيتى. انتهينا من تصوير الجزء الخاص فى العيادة، ونزلت مع الصحفيين الفرنسيين لنتوجه إلى المركب الذى استأجروه لتصوير الجزء الثانى ففوجئت ببضعة أشخاص لا أعرفهم ينتظروننا تحت البيت.. تقدم أحدهم منى وقال:
ــ لا تتكلم مع هؤلاء الخواجات لأنهم جواسيس.
قلت له:
ــ هؤلاء ليسوا جواسيس. إنهم صحفيون فرنسيون محترمون كما أن معهم التصاريح اللازمة للتصوير فى الشارع.
فوجئت بهذا الشخص يصيح بشتائم مقذعة فى حقى، وكاد وأصحابه يعتدون علينا لولا تدخل سكان الشارع الذين منعوه. كان واضحا أن الهجوم مدبر. حررت محضرا بالواقعة فى القسم وذهبت مع طاقم التليفزيون الفرنسى وسجلنا الحلقة التى سوف تذاع يوم 8 يناير.. وبعد يومين، كنت عائدا إلى البيت عندما اتصل بى الجيران محذرين من أن الشخص نفسه الذى حاول التعدى على مع ضيوفى الفرنسيين يقف تحت البيت ومعه عشرون شخصا يشتموننى ويهددون بالاعتداء على، فى محاولة لترويع أسرتى. تدخل السكان مرة أخرى وأبعدوهم، وحررت ضده محضرا جديدا..
وفى الليلة نفسها، ظهرت فتاة متظاهرة اسمها «هدير مكاوى» مع الإعلامى الكبير «وائل الإبراشى»، وقالت إن أفراد الشرطة العسكرية قبضوا عليها وهددوها بصواعق كهربائية وأجبروها على تصوير فيديو تتهمنى فيه مع الصديق الفنان الثورى خالد يوسف بأننا حرضناها وزملاءها على الاعتصام والتخريب. الفتاة سجلت ما طلبوه منها، لكن ضميرها استيقظ فاتصلت بالإعلام لتقول الحقيقة.. فى الليلة نفسها، ظهر مذيع وثيق الصلة بأجهزة الأمن ليقول إننى، بعد واقعة تسمم المتظاهرين بطعام الحواوشى، ذهبت إلى اعتصام مجلس الوزراء وحرضت المعتصمين على تكسير الكاميرات التى تصورهم من مجلس الوزراء.
الواقعة كاذبة مختلقة من أساسها. لقد ذهبت متضامنا مع المعتصمين أكثر من مرة وعقدت معهم ندوات ورأيت فيهم مجموعة من أشجع وأشرف شباب مصر لكننى لم أذهب إلى الاعتصام إطلاقا بعد واقعة الحواوشى.. المذيع كاذب وضابط أمن الدولة الذى لقنه هذا الكلام الخائب فقير الخيال. فى اليوم التالى نشرت جريدة قومية يومية أن هناك خطة لاغتيالى مع مجموعة من المنتمين إلى الثورة. الخبر غريب لأنه يؤكد أن خطة اغتيالنا سيقوم بها عملاء سوريون وإيرانيون، أما مصدر الخبر فهو أحد المسؤولين فى البيت الأبيض. يصعب على أن أصدق أن النظام الإيرانى المشتبك مع الغرب من أجل برنامجه النووى أو النظام السورى الذى يقتل شعبه ويخوض معركته الأخيرة للبقاء، يجد أحدهما من الوقت والجهد ما يجعله يقتل مواطنين مصريين.. الأغرب أن مسؤولا فى البيت الأبيض يترك كبريات الصحف العالمية لكى يتصل بصحفى فى جريدة مصرية ليخصه بهذا السبق الصحفى. فى اليوم التالى، خرجت مجلة قومية، على غلافها صورتى مع زملاء آخرين، وقد كتبت بالبنط الكبير «المحرضون»..
أصبحت الحقيقة واضحة. المجلس العسكرى، بمعاونة جهاز أمن الدولة وأتباعه فى الإعلام، يشن حربا ضارية لإرهاب كل الذين انتقدوا الجرائم التى تم ارتكابها ضد المتظاهرين.. الهدف تشويه صورة المنتقدين لسياسات المجلس العسكرى وترويعهم حتى يخافوا ويسكتوا عن الحق.. المطلوب أن نكذب أعيننا لنرضى المجلس العسكرى. المطلوب أن نرى بنات مصر يسحلن وتنتهك أعراضهن بواسطة جنود الجيش ونرى الشهداء يتساقطون بالرصاص الحى ثم نسكت وكأننا لم نر شيئا. المطلوب أن نخالف ضمائرنا ونسكت على هذه الجرائم حتى نحظى برضا المجلس. لن يحدث ذلك أبدا. لن ننسى الجرائم البشعة التى ارتكبها الجنود ضد متظاهرين سلميين فى ماسبيرو ومحمد محمود وشارع مجلس الوزراء..
هذه المذابح جميعا مسجلة بالصوت والصورة، والمسؤول الوحيد عنها المجلس العسكرى.. هذه الحقيقة التى سنظل نقولها ونكررها، وليفعل المجلس العسكرى ما يريد، فحياتنا لن تكون أبدا أغلى من حياة شبان وشابات الثورة الذين قتلهم حسنى مبارك ثم استمر المجلس العسكرى فى قتلهم.. ليس ما يفعله المجلس العسكرى غريبا أو غامضا.. إنه يطبق خطة محددة لاحتواء الثورة ثم إجهاضها تماما حتى تصبح كأن لم تكن. هذه الخطة تم تطبيقها بحذافيرها فى بلاد أخرى. فى عام 1989، ثار الشعب الرومانى ضد الطاغية «شاوشيسكو»، وامتنع الجيش عن مساندة الطاغية فتمت محاكمته وأعدمه الثوار مع زوجته «إيلينا»، ثم تولى السلطة فى الفترة الانتقالية أحد مساعدى شاوشيسكو واسمه «إيون إيليسكو». امتدح «إيليسكو» الثورة واحتفى بها فى البداية ثم حدث انفلات أمنى رهيب فى رومانيا (تبين فيما بعد أنه من تخطيط «إيليسكو»)..
بدأت مجموعات من الأشخاص المجهولين يهاجمون بيوت الناس والمنشآت الحيوية، وراح جنود الجيش يتصدون لهم حتى أصبحت رومانيا ميدان حرب مما تسبب فى إحساس المواطنين بالهلع وانعدام الأمن.. مع الانفلات الأمنى المتعمد ارتفعت الأسعار وأصبحت الحياة صعبة للغاية.
فى الوقت نفسه، لعب الإعلام الخاضع للنظام دورا مزدوجا، فهو من ناحية ساهم فى نشر الذعر عن طريق الشائعات الكاذبة المتوالية، وفى الوقت نفسه، راح الإعلام يمعن فى تشويه صورة الثوريين، وتوالت الاتهامات لمن قاموا بالثورة بأنهم خونة وعملاء، يقبضون أموالا من الخارج من أجل إسقاط الدولة وتخريب الوطن. مع الهلع والأزمات الطاحنة، تأثر المواطنون بحملات التشويه الإعلامى وبدأوا يصدقون فعلا أن الثوار عملاء.. وعندما أحس الثوار بأن «إيليسكو» يسعى لإجهاض الثورة نظموا مظاهرة كبيرة رفعت شعار:
«لا تسرقوا الثورة».. فما كان من «إيليسكو» إلا أن وجه نداء فى التليفزيون إلى المواطنين الشرفاء (لاحظ تكرار التعبير) وطالبهم بالتصدى للخونة وقام «إيليسكو» سرا باستدعاء آلاف العمال من المناجم وأشرف على تسليحهم، فاعتدوا على الثوريين وقتلوا أعدادا كبيرة منهم.. كانت هذه نقطة النهاية لثورة رومانيا.. فقد استتب الأمر بعد ذلك لـ«إيون إيليسكو» ورشح نفسه للرئاسة وفاز بالمنصب لدورتين متتاليتين فى انتخابات مزورة.. وهكذا، بعد أن كانت الثورة الرومانية مفخرة تحولت إلى مادة للتندر والسخرية...
فقد قام الرومانيون بثورة عنيفة وسقط منهم شهداء كثيرون، وفى النهاية، بدلا من الطاغية شاوشيسكو تسلم الحكم مساعده إيليسكو.. لاحظ من فضلك ما يفعله الآن الفريق أحمد شفيق (الذى يلعب دور إيليسكو فى النسخة المصرية).. هذا الرجل تقدم ضده العاملون فى الطيران المدنى بعدد 42 بلاغا للنائب العام، يتهمونه بإهدار المال العام والفساد.. لكن النائب العام لم يحقق فى البلاغات منذ شهر مارس وحتى الآن، وها هو السيد شفيق يقود حملة انتخابية كبيرة من أجل أن يتسلم السلطة كرئيس لمصر، لتنتهى ثورة مصر تماما كما انتهت ثورة رومانيا.. الحق واضح بين.. أى إنسان منصف مهما يكن اتجاهه السياسى لا يمكن أن يرى البنات المسحولات المنتهكات والشهداء المقتولين بالرصاص ولا يدين المجلس العسكرى.
أستشهد هنا بأحد كبار المقاتلين فى القوات المسلحة.. اللواء صاعقة متقاعد «حمدى الشوربجى»، الذى وجه رسالة إلى المجلس العسكرى على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك) (وأعاد نشرها موقع مصراوى). يقول اللواء «الشوربجى» إن القمع الذى مورس ضد المتظاهرين المصريين يصدر من قلة مريضة نفسيا من الضباط والجنود يملكون السلطة ولا يملكون شرف المهنة أو الضمير. ويؤكد سيادته أنه شهد بنفسه أسر 28 جنديا إسرائيليا خلال حرب أكتوبر 1973، ورأى كيف عاملهم الجيش المصرى معاملة كريمة، أما قتل المصريين وهتك أعراض المصريات، فإن اللواء «الشوربجى» يعتبر هذه التصرفات عارا على الجيش المصرى.
الآن.. ما العمل؟
أولا: يجب تشكيل لجنة تحقيق فى المجازر التى ارتكبها أفراد الشرطة والجيش ضد المتظاهرين، على أن تكون هذه اللجنة مستقلة تماما عن جهاز الدولة الذى لايزال تابعا لنظام مبارك.. يجب أن يترأس اللجنة قاض مستقل مشهور له بالنزاهة، مثل المستشار زكريا عبدالعزيز أو أشرف البارودى أو محمود الخضيرى، على أن تملك اللجنة حق التحقيق مع العسكريين والمدنيين على السواء. هذه اللجنة سوف تحقق العدالة وتعاقب كل من أجرموا فى حق الشعب المصرى.
ثانيا: بالرغم من تحفظاتى على الانتخابات، فإن مجلس الشعب القادم هو الهيئة الوحيدة المنتخبة التى تمثل إرادة الشعب، ولابد من منحه صلاحيات مطلقة لتشكيل حكومة بدلا من حكومة الجنزورى المفروضة على الشعب.
ثالثا: يجب التعجيل بانتخابات رئيس الجمهورية، لأن الوضع فى مصر تأزم بشكل لن يعالجه إلا انتقال السلطة من المجلس العسكرى إلى رئيس منتخب.
هذه الخطوات الثلاث ضرورية للخروج من الأزمة. وليعلم كل من يريد إجهاض الثورة أن ملايين المصريين الذين ثاروا من أجل الحرية لن يسمحوا أبدا بإجهاض ثورتهم أو سرقتها.
الثورة سوف تنتصر بإذن الله.. لتبدأ مصر المستقبل.
الديمقراطية هى الحل
فاطمة فيصل- مشرف عام
- عدد المساهمات : 1136
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 29/09/2010
مواضيع مماثلة
» حانت لحظة الحقيقه ... بقلم علاء الاسواني
» حوار بين رجلين مهمين .. بقلم علاء الاسواني
» خمسة انواع من المواطنين الشرفاء ... بقلم علاء الاسواني
» و عندما يتكلم د علاء الاسوانى
» مالم يسمعه المجلس العسكري بقلم د\ علاء الاسواني
» حوار بين رجلين مهمين .. بقلم علاء الاسواني
» خمسة انواع من المواطنين الشرفاء ... بقلم علاء الاسواني
» و عندما يتكلم د علاء الاسوانى
» مالم يسمعه المجلس العسكري بقلم د\ علاء الاسواني
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 07 فبراير 2023, 19:43 من طرف اخوكم احمد
» شوت ايديا لادارة صفحات الفيس بوك المواقع الالكترونية وانشاء اعلانات الفيس بوك ويوتيوب shoot idea
الخميس 24 يونيو 2021, 05:44 من طرف shootidea
» ادارة صفحات السوشيال ميديا , اعلانات فيس بوك shoot idea
الثلاثاء 22 يونيو 2021, 06:57 من طرف shootidea
» بالأرقام.. ننشر فروق استهلاكات الكهرباء بين اللمبات العادية والليد
الأربعاء 04 ديسمبر 2019, 13:30 من طرف اخوكم احمد
» متصفح أوبرا الجديد يوفر 90% من فاتورة الإنترنت
الإثنين 02 ديسمبر 2019, 12:04 من طرف اخوكم احمد
» الرقم البريدى للمطرية القاهرة
الثلاثاء 01 أكتوبر 2019, 13:49 من طرف اخوكم احمد
» [رقم هاتف] رئاسة حى المطرية 44 ش الكابلات ميدان المطرية ..مصر
الإثنين 08 يوليو 2019, 16:16 من طرف اخوكم احمد
» قائمة السلع والخدمات المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة
الإثنين 05 فبراير 2018, 16:24 من طرف اخوكم احمد
» قاعات افراح .. بحميع محافظات مصر ... وبالاسعار والعنوانين
الأربعاء 10 يناير 2018, 12:48 من طرف اخوكم احمد
» محلات المطرية
الإثنين 01 يناير 2018, 12:32 من طرف اخوكم احمد