بحـث
المواضيع الأخيرة
اكذوبه انتقال جبل المقطم والرد عليها
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
اكذوبه انتقال جبل المقطم والرد عليها
الأحداث التى مهدت للمعجزة
===========
1) المجادلة الدينية الحادة :
كان المعز لدين الله الفاطمى - محباً لمجالس الأدب ،
ومولعاً بالمباحثات الدينية ، وكان يجمع رجال الدين من المسلمين
والمسيحيين واليهود للمناقشة فى مجلسه ، وأشترط أن يكون ذلك بلا غضب أو
خصام ...
وكان فى ديوان المعز رجل يهودى أعتنق الأسلام لكى يعيين وزيراً فى الدولة ، وكان أسم هذا الرجل " يعقوب بن كلس " .
ورغم أنه أعتنق الأسلام إلا أنه مازال متعصباً لدينه اليهودى، لأنه لم
يعتنق الأسلام عن عقيدة بل لأجل المنصب . وكان هذا اليهودى يبغض المسيحيين الى اقصى درجه , خاصه وانه كان له خصم مسيحى يعزه الخليفه
، وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيراً عوضاً عنه ، وكان اسمه
" قزمان بن مينا الشهير بأبواليمن " فأستدعى يعقوب بن كلس اليهودى واحداً
من بنى قومه يُدعى " موسى "
ليجادل البابا البطريرك الأنبا ابرآم فى مجلس الخليفة المعز ...
أرسل الخليفة للآب البطريرك قائلاً :- إن شئت يوماً أن تحاجج اليهود بنفسك
أو بواسطة من تختار من الأساقفة ، فتعال إلى دارى وناقشهم أمامى ..
حدد البابا الأنبا ابرآم موعداً لذلك ، وأصطحب معه الأنبا ساويرس بن
المقفع أسقف الأشمونين ( بالصعيد ) وكان من علماء الكنيسة فى جـــيله ،
فهو الذى كتب تاريخ " سير البطاركة " وكان أيضاً لاهوتياً ضليعاً ، وخاصة
فى اللاهوت المقارن بين الأديان ، وله كتب كثيرة فى هذا المجال منها :
كتاب التوحيد ، وكتاب الأتحاد الباهر فى الرد على اليهود ... وكتب كثيرة
أخرى .
وعندما أستقر مجلس الخليفة ، وكان حاضراً أيضاً الوزير بن كلس اليهودى ، ورفيقه موسى .
فقال المعز للبابا:- تكلم أيها البابا الوقور ، أو أمنح رفيقك الأذن بالكلام.
فقال البابا لأسقف الأشمونين الأنبا ساويرس :- تكلم يأبنى . ولتمنحك الحكمة الألهية حكمة من لدنها.
فقال الأنبا ساويرس بفطنة روحية :- ليس من اللائق أن أتحدث إلى يهودى فى
حضرة الخليفة .فأحتد موسى اليهودى رفيق الوزير وقال :- إنك تهيننى فى مسمع من أمير المؤمنين إذ تصفنى بالجهل .
فسأله الأنبا ساويرس بهدوء :- وإن قدمت لكَ الدليل على جهلك ، أفلا تغضب ؟
وهنا تدخل الخليفة المعز بسماحته وبلاغته قائلاً :- لا داعى للغضب فى
المناقشة ، لأن الحرية مكفولة لكل منكم ، حتى يعبر كل واحد عن عقيدته
بصراحة وبلا حرج .
فقال الأنبا ساويرس بثقة :- لست أنا الذى أصفكم بالجهل ، بل أن نبياً عظيماً نال كرامة خاصة من الله هو الشاهد عليكم .
فسأله موسى اليهودى قائلاً :- ومن يكون هذا النبى ؟
أجابه الأنبا ساويرس على الفور :- أنه أشعياء النبى الذى قال عنكم : "
الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه ، أما أسرائيل فلا يعرف شعبى لايفهم
فأنفجر الخليفة المعز ضاحكاً ، إذ أُعجب بفطنة الأنبا ساويرس ، وأُعجب بمهارته فى الحوار ...
ثم سأل الخليفة موسى اليهودى قائلاً :- أهذه كلمات أشعياء النبى حقاً ؟
فكتم موسى اليهودى غيظه ، فأجاب بصوت خفيف :- نعم يامولاى .
فأستطرد الأنبا ساويرس فى الكلام قائلاً :- ها أن نبياً عظيماً من أنبيائكم قد أعلن بأن الحيوانات أكثر فهماً منكم .
وكان الخليفة لايزال ثملاً من براعة هذه الدعابة ، ورأى أن يكتفى بذلك فى تلك الجلسة .
2) المؤامــــرة الخبيثة :
كان من أثر تلك المجادلة الحادة أن تضايق الوزير بن كلس للغاية ، هو
ورفيقه موسى اليهودى ... فقررا الأنتقام من الأنبا ابرآم والأنبا ساويرس
بتدبير مؤامرة تقضى على الأقباط جميعاً . فأخذ موسى اليهودى يفتش فى
الأنجيل المقدس عن شئ يساعده فى تحقيق غرضه الخبيث ، فوجد الآية المقدسة
التى قالها رب المجد يسوع المسيح " لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل ، لكنتم
تقولون لهذا الجبل أنتقل من هنا إلى هناك فينتقل ، ولايكون شئ غير ممكن
لديكم .
أسرع موسى اليهودى مع الوزير بن كلس إلى الخليفة المعز ، وقالا له :- وجدنا فى أنجيل النصارى أنه مكتوب
" أن من له إيمان مثل حبة خردل ينقل الجبل"
فمن حقنا أن نطالبهم بإثبات صحة دينهم بإتمام هذا الكلام . فإن لم يستطيعوا وجب عقابهم لبطلان دينهم ...
صمت الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مفكراً فى هذه الآية ، ورأى أنه إذا
كان كلام الآنجيل صحيحاً فتكون فرصة ذهبية لإزاحة الجبل الجاثم شرق
المدينة الجديدة (القاهرة) حتى يزيد عمرانها شرقاً ، ويكون موقعها أروع إذ
كان الجبل قبل نقله على حدود بركة الفيل ... أما إذا عجزوا عن تنفيذ
هذا الكلام ، كان ذلك دليلاً قاطعاً على بطلان دين النصارى ، ومن ثمَ تحتم
إزالة هذا الدين من الوجود .
أرسل الخليفة المعز إلى البابا الأنبا ابرآم السريانى ، فحضر اليه وتكلم
معه عن أمر هذه الآية ، وأن عليه أن يختار أمراً مما يآتى :-
1) إما تنفيذ هذه الوصية ، ونقل الجبل الشرقى المقطم .
2) وإما أعتناق الإسلام ، وترك الدين المسيحى لبطلانه .
3) وإما ترك البلاد المصرية والهجرة إلى أى بلد آخر .
4) أو الأبادة بحد السيف .
أطرق القديس البطريرك مصلياً فى قلبه ، ليرشده الرب فى هذه المحنة ... ثم طلب من الخليفة أن يمهله ثلاثة أيام ، ثم يرد عليه جواباً .
3) المنادة بصوم واعتكاف :
رجع البابا إلى مقره حزيناً ، وأصدر منشوراً عاماً يأمر فيه جميع
المسيحيين فى مصر بالصوم ثلاثة أيام إلى الغروب ، مع أقامة الصلوات الحارة
من أجل سلامة الكنيسة ، وأنقاذها من هذه المحنة ... يالها بصيرة روحية
وحكمة سماوية .. تلك التى تلجأ إلى الله فى الظروف والمحن .. فما اروع
ماتصليه الكنيسة فى القداس الألهى قائلة : " لأننا لانعرف آخر سواك ..
أسمك القدوس هو الذى نقوله فتحيا نفوسنا بروحك القدوس ... "
بعد ذلك ذهب البابا إلى كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة ، وطلب
الأساقفة الذين كانوا موجودين بمصر القديـــمة ، والكهنة والأراخنة
والرهبان ... وذكر لهم ماحدث بينه وبين الخليفة المعز ، وقال لهم :
- علينا بالصوم والصلاة هذه الأيام الثلاثة التى أستمهلته أياها ، ليترأف الله علينا بنعمته ، ويهئ لنا طريق النجاة .
أستجاب الجميع لنداء البابا ، وصام الشعب القبطى فى طول البلاد وعرضها ،
وأقيمت القداسات ، ورُفِعَت الصلوات والطلبات من أجل هذه المحنة التى
تجتازها الكنيسة ..
وأعتكف البابا الأنبا ابرآم ، مع بعض الأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة
بكنيسة السيدة العذراء بالمعلقة لمدة هذه الأيام الثلاثة ..
فى فجر اليوم الثالث ، غفا البابا غفوة قصيرة ، فرأى خلالها السيدة العذراء ، وسمعها تقول له :
- ماذا بكَ ؟
فأجابها البابا :- أنتِ تعلمين ياسيدة السمائيين والأرضيين .
فقالت له :- لاتخف أيها الراعى الأمين ... فإن دموعك التى سكبتها فى هذه
الكنيسة ، مع الأصوام والصلوات التى قدمتها أنتَ وشعبك لن تُنسى ...
أخرج الآن من الباب الحديدى المؤدى إلى السوق، وعند خروجك منه ستجد أمامك
رجلاً بعين واحدة ، حامل جرة ماء ... أمسك به ، لأنه الرجل الذى ستتم
المعجزة على يديه ...
وما ان قالت السيدة العذراء ذلك حتى توارت عن عيني البابا الذى أستيقظ من نومه مندهشاً .
عندما أستيقظ البابا من النوم وخرج فى الحال إلى الباب الحديدى المؤدى إلى
السوق ، رأى خارجه الرجل الذى أشارت إليه السيدة العذراء ، فأمسك به ...
وأدخله داخل الباب الحديدى ، ثم أغلق الباب ... ثم ذكر البابا له ما حدث
بينه وبين الخليفة ، وما أمرته به السيدة العذراء ، بأنه هو الرجل الذى
ستتم على يديه المعجزة ...
فقال له القديس سمعان :- أغفر لى يا أبتى ، فأنى رجل خاطئ .
فقال له البابا فى أصرار :- أنه أمر أم النور ...
فأجاب القديس سمعان فى خضوع وأتضاع :- مادامت أم النور هى التى حكمت علىّ
بأن أوّدى هذا الواجب العظيم ، فأنى أضع نفسى فى خدمتك ياسيدى .
فسأله البابا عن أسمه ، وعن سبب وجوده فى السوق فى مثل هذه الساعة المبكرة ، بينما الناس نيام ...
فأجابه القديس سمعان :- أسمى سمعان الخراز . وأنا أشتغل بدباغة الجلود،
ولكنى أقوم فى مثل هذه الساعة من كل صــباح لأملأ قربتى بالماء ، وأوزعه
على الكهول والمرضى الذين أقعدتهم الشيخوخة أو المرض عن المقدرة على أحضار
الماء لأنفسهم ..
وعندما أنتهى من خدمتى هذه ، أُعيد قربتى إلى البيت وأذهب إلى عملى عند
صاحب مصنع الدباغة حيث أعمل حتى المساء ، وعند غروب الشمس ، أخرج مع بقيةالأُجراء ، فأكل القليل لأسد به رمقى ، ثم أنصرف إلى الصلاة ..
ثم رجا القديس سمعان من البابا أن يكتم حقيقة أمره طالما هو حى على هذه الأرض .
بعد أن أنتهى القديس سمعان من حديثه السابق ، قال للآب البطريرك :- أصعد
يا أبى المكرم إلى الجبل ، وخذ معك رجال الدين والشمامسة والأراخنة ،
وأجعلهم يحملون عالياً الأناجيل والصلبان والشموع الطويلة موقدة والمجامر
مملوءة بخورا ً .وأطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم .. فتقفوا أنتم
على ناحية من الجبل ، بينما يقفوا هم على الناحية المقابلة لكم ، وسأقف
أنا وسط الشعب خلف غبطتكم بحيث لايعرفنى أحد .
ثم إنك بعد تقديم الأسرار المقدسة ، ترفع صوتك مع الجميع مرددين " كيرياليسون " أربعمائة مرة .
ثم أصمت بعد ذلك بعض اللحظات ، ثم أسجد أنت والكهنة أمام العلى ، وكرر هذا العمل ثلاث مرات ، وفى كل مرة تقف فيها بعد السجود ، أرسم الجبل بعلامة الصليب ، وسترى مجد الله ...
أخبر الآب البطريرك الخليفة المعز لدين الله الفاطمى، أنه مستعد لتنفيذ
مطلبه بنعمة الله ... فخرج الخليفة ممتطياً صهوة جواده ، ومعه حشد رهيب من
رجال حاشيته وعظمائه وجنوده .. وتقابل مع الآب البطريرك وعدد كبير من
الأساقفة والكهنة والشمامسة والأراخنة والشعب وبينهم القديس سمعان الخراز
.. ووقف الفريقان كما قال القديس سمعان ، مقابل بعضهما فوق جبل المقطم .
بعد تقديم الأسرار المقدسة التى رفعها البابا والأساقفة، ردد المصلون بروح
منكسرة وقلوب منسحقة صلاة "كيرياليسون - يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقاً
وغرباً وشمالاً وجنوباً ..
ثم صمتوا برهة بين يدى العلى .. وأبتدأوا فى السجود والقيام ثلاث مرات ،
والآب البطريرك يرسم الجبل بالصليب ، وإذ بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل ، وفى
كل سجدة يندك الجبل ، ومع كل قيام يرتفع الجبل إلى أعلى وتظهرالشمس من
تحته ، ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة عندما حدثت المعجزة ، فزع الخليفة المعز ، وأرتعب، وكل الجموع المحتشدة معه ، وهتف المعز بأعلى صوته
قائلاً :- عظيم هو الله ، تبارك أسمه ..وألتمس من البابا أن يكف عن عمله ، لئلا تنقلب المدينة .
وعندما هدأت الأمور قال للبابا :- لقد أثبتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى ..
بعد أن هدأت نفوس الجموع المحتشدة ، بدأوا ينزلون من الجبل ليعودوا إلى
بيوتهم .أما البابا البطريرك فقد تلفت حوله باحثاً عن القديس سمعان الخراز
الذى كان يقف خلفه ، فلم يجده ، ولم يعثر أحد عليه بعد ذلك ...
= تسمية الجبل بالمقطم :
تحكى مخطوطة بدير الأنبا أنطونيوس أن الجبل المقطم سُمى كذلك أى المقطم أو
المقطع ، أو المقطب ، لأن سطحه كان متساوياً أى متصلاً ، فصار ثلاث قطع ،
واحدة خلف الأُخرى ، ويفصل بينهم مسافة
وتقول قواميس اللغة العربية أن كلمة (( مقطم )) معناها(( مقطع ))
---------------------------------------------------الرد -------------
ونبدأ بقول كاتب السيرة عن يعقوب بن كلس اليهودى الذى كان قد أسلم فى عهد كافور الإخشيدى وانتهى به الحال إلى الدخول فى خدمة الفاطميين بعد فتحهم لمصر: "ورغم أنه أعتنق الأسلام إلا أنه مازال متعصبا لدينه اليهودى، لأنه لم يعتنق الأسلام عن عقيدة بل لأجل المنصب. وكان هذا اليهودى يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة، خاصة وأنه كان له خصم مسيحى يعزه الخليفة، وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيرا عوضا عنه، وكان اسمه "قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن"، فها هنا يقول كاتب سيرة سمعان الإسكافى إن ابن كلس كان وزيرا للمعز لدين الله، وخشى أن يستبدل الخليفة الفاطمى به رجلا نصرانيا يحل محله فى الوزارة. وهذا كله كذب، ببساطة لأن ابن كلس لم يكن يوما وزيرا للمعز، بل لابنه العزيز. فهذا أول مِعْوَل فى جدران الخرافة المضحكة، وفى أول فقرة منها، وهو ليس بالمعول الضعيف، بل معول مزلزل.
الثانية أن راوى الخرافة 0 نقل جبل المقطم قد وصف المعز الفاطمى أكثر من مرة بالسماحة وسعة الصدر واحترام البطرك وتوقيره، بالإضافة إلى أنه، عند الكلام عن مجالسه الدينية، قد ركز على اشتراطه عدم الغضب أثناء الجدال بين أصحاب الأديان المختلفة. لكنه ينسى هذا كله فجأة ليقدم للمعز نفسه صورة أخرى مخالفة، إذ انتهز ما قاله له ابن كلس عن آية استطاعة المؤمن النصرانى نقل الجبل من مكانه إذا أراد، وعوّل على عقد اللقاء الثانى بين اليهودى والبطرك لاستغلاله من أجل القضاء على النصارى فى البلاد وقَطْع دابرهم. كيف يمكن أن يحدث ذلك فى غمضة عين للمعز المتسامح الواسع الصدر المحب للعلم والعلماء الموقر لبطرك الأقباط والذى يفسح فى مجالسه للمجادلات الدينية دون غضب أوتعصب، وهو أمر لم يفكر فيه من قبلُ ولا من بعدُ حاكم مسلم لا فى مصر ولا فى أى بلد إسلامى آخر؟ الواقع أن هذا أمر لا يصدقه عقل، فطبائع الشخصيات البشرية لا تنقلب بهذه السرعة ولا بهذه السهولة ولا لهذه الأسباب التافهة، اللهم إلا إذا كان صاحب الشخصية من الإمَّعات، وحاشا أن يكون المعز بهذه الضآلة! لا أقول هذا من لَدُنّى، بل يقوله التاريخ، ويقوله كاتب السيرة نفسه.
كذلك تقول الحدوتة إن البطرك، حين رجع من عند المعز، أصدر منشورا للنصارى جميعا فى عموم البلاد أن يصوموا تلك الأيام الثلاثة التى ضربها للخليفة ميعادا لتحقيق المعجزة، بما يعنى أنه لا بد من إعلام النصارى فى كل أرجاء مصر بما جاء فى المنشور فى نفس اليوم رغم سعة البلاد طولا وعرضا كما هو معروف. والسؤال هو: كيف استطاع البطرك فى ذلك الزمن الذى كانت المواصلات فيه بدائية وبطيئة أن يوصل منشوره إلى رعيته فى ذات اليوم بحيث استطاعوا أن يصوموا الأيام الثلاثة المطلوبة قبل أن تبدأ المواجهة بينه وبين المعز؟ وإلى القارئ ما قاله كاتب الحدوتة بنفسه فى هذه النقطة: "ذهب البابا إلى كنيسة مريم العذراء المعروفة بالمعلقة، وطلب الأساقفة الذين كانوا موجودين بمصر القديـــمة والكهنة والأراخنة والرهبان، وذكر لهم ما حدث بينه وبين الخليفة المعز، وقال لهم: علينا بالصوم والصلاة هذه الأيام الثلاثة التى أستمهلته أياها، ليترأف الله علينا بنعمته ويهئ لنا طريق النجاة. أستجاب الجميع لنداء البابا، وصام الشعب القبطى فى طول البلاد وعرضها، وأقيمت القداسات، ورُفِعَت الصلوات والطلبات من أجل هذه المحنة التى تجتازها الكنيسة. وأعتكف البابا الأنبا ابرآم مع بعض الأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة بكنيسة السيدة العذراء بالمعلَّقة لمدة هذه الأيام الثلاثة". أما فى الرواية التى أوردها عزت أندراوس فى "موسوعة تاريخ أقباط مصر" فإن الأمر يوغل فى الاستحالة إن كان للاستحالة درجات متفاوتة: "وعاد البابا إلى منزلة بمصر وأحضر الكهنة والآراخنة بمصر وجميع الشعب القبطى وعرفهم ما حدث وهو يبكى". أى أن البطرك لم يكتف بإرسال المنشور إلى جميع أرجاء البلاد، بل أحضر الشعب القبطى كله إليه. كيف ذلك؟ علمه عند عالم السر وأخفى! أو ربما استدعاهم بنقرة من فارة الكمبيوتر فحضروا إليه فى الحال من جميع أنحاء الشبكة العنكبوتية وخرجوا من الحاسوب ملوحين بقبضاتهم المهدِّدة فى الهواء وهم يستنزلون اللعنات على رأس المعز ومن ,ويهتفون: بالروح، بالدم، نفديك يا إبرام!
وتمضى الحدوتة فتذكر أن السيدة مريم عليها السلام قد ظهرت للبطرك فى المنام: "فى فجر اليوم الثالث غفا البابا غفوة قصيرة فرأى خلالها السيدة العذراء، وسمعها تقول له: ماذا بكَ؟
فأجابها البابا: أنتِ تعلمين ياسيدة السمائيين والأرضيين.
فقالت له: لاتخف أيها الراعى الأمين، فإن دموعك التى سكبتها فى هذه الكنيسة مع الأصوام والصلوات التى قدمتها أنتَ وشعبك لن تُنْسَى. أخرج الآن من الباب الحديدى المؤدى إلى السوق، وعند خروجك منه ستجد أمامك رجلاً بعين واحدة حامل جرة ماء. أمسك به لأنه الرجل الذى ستتم المعجزة على يديه.
وما ان قالت السيدة العذراء ذلك حتى توارت عن عيني البابا الذى أستيقظ من نومه مندهشا".
ثم إننا نقرأ أيضا فى الحدوتة أن سمعان قد طلب من البطرك أن يذهب النصارى إلى الجبل يوم الامتحان ويصعدوا هم والمسلمون فيه بحيث يقف كل من الفريقين فى جانب. المهم أنهم جميعا سيكونون فوق الجبل، وهو ما حدث فعلا كما ورد فى الحدوتة فى أكثر من موضع: "أصعد يا أبى المكرم إلى الجبل، وخذ معك رجال الدين والشمامسة والأراخنة، وأجعلهم يحملون عاليا الأناجيل والصلبان والشموع الطويلة موقدة والمجامر مملوءة بخورا، وأطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم فتقفوا أنتم على ناحية من الجبل، بينما يقفوا هم على الناحية المقابلة لكم، وسأقف أنا وسط الشعب خلف غبطتكم بحيث لايعرفنى أحد... أخبر الآب البطريرك الخليفة المعز لدين الله الفاطمى، أنه مستعد لتنفيذ مطلبه بنعمة الله، فخرج الخليفة ممتطيا صهوة جواده، ومعه حشد رهيب من رجال حاشيته وعظمائه وجنوده، وتقابل مع الآب البطريرك وعدد كبير من الأساقفة والكهنة والشمامسة والأراخنة والشعب وبينهم القديس سمعان الخراز، ووقف الفريقان، كما قال القديس سمعان، مقابل بعضهما فوق جبل المقطم". إذن فالفريقان كلاهما كانا واقفين فوق الجبل، ومع هذا تقول الحدوتة المتخلفة إن الجبل اندك أكثر من مرة (وهم بطبيعة الحال فوقه) وأخذ يتراقص تراقصا مرعبا فيصعد كلما رفع النصارى رؤوسهم من السجود، ويرجع إلى موضعه من الأرض مندكًّا حين يعودون فيسجدون، كل ذلك دون أن يتحطموا ويتفتتوا، بل دون أن يصيبهم أى أذى على الإطلاق، أو على الأقل دون أن يسقط أحد منهم من فوق الجبل أثناء هذه الألاعيب الأكروباتية التى كان يأتيها هذا الجبل العفريت! تصوروا!
وأنكى من ذلك أنهم كانوا يشاهدون الشمس من تحت الجبل كلما ارتفع فى الهواء عند قيامهم من السجود. أى أنهم كانوا واقفين فوق الجبل، ومع ذلك استطاعوا أن يَرَوُا الشمس من تحت هذا الجبل! أين أنت يا خواجه بيجو كى تشق هدومك وتلطم خدودك وتطق عروقك كما كنت تصنع حين يفشر عليك أبو لمعة المسكين رغم أن فشره لا يعد شيئا مذكورا جنب هذا التخلف العقلى الرهيب الذى لا يصلح معه إلا إرسال صاحبه إلى العباسية؟ وهذا نص ما جاء فى الحدوتة عن ذلك الموضوع: "بعد تقديم الأسرار المقدسة التى رفعها البابا والأساقفة ردد المصلون بروح منكسرة وقلوب منسحقة صلاة "كيرياليسون: يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا (أربعمائة مرة بحالها؟ يا محمَّدى!). ثم صمتوا برهة بين يدى العلىّ، وأبتدأوا فى السجود والقيام ثلاث مرات، والآب البطريرك يرشم الجبل بالصليب، وإذ بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل، وفى كل سجدة يندكّ الجبل، ومع كل قيام يرتفع الجبل إلى أعلى وتظهر الشمس من تحته، ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة". "ياااا صلااااة النبى" على رأى إسماعيل يس! ولكم، أيها القراء، أن تتصوروا ما حدث للخليفة ورجاله وسائر المسلمين بعد هذه المداعبة المتهورة، فقد هَرّوا على أنفسهم طبعا (كما يفعل القمّص الحمار، ذو الدُّبر الهرّار): "عندما حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع المحتشدة معه، وهتف المعز بأعلى صوته قائلاً: عظيم هو الله، تبارك أسمه. وألتمس من البابا أن يكف عن عمله لئلا تنقلب المدينة". عجيبة! أوبعد كل تلك الزلازل والاندكاكات لم تكن المدينة قد انقلبت؟ ثم إنى كنت أتوقع أن يكون تعليق المعز للبطرك هنا هو: "ماذا تفعل يا رجل يا مجنون؟"، فهذا هو ما يقال فى مثل تلك الحالة، لكن مؤلف الحدوتة يفتقر للأسف إلى خفة الظل المصرية. وتنتهى هذه الحلقة من المسلسل بقول الراوى يا سادة يا كرام: "وعندما هدأت الأمور قال للبابا: لقد أثبتّم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى". هكذا إذن! لكن ماذا يكون هذا بالقياس إلى ما أنطقوا به المعز فى رواية أخرى للحدوتة، إذ قال: "محمد ما فيش!"، أى أن دين محمد لا معنى له جنب هذه الألاعيب الأكروباتية! نعم جعلوه يقول: "محمد ما فيش"، وكأنه خواجا إجريجى! ولم لا؟ أليس اسمه بالكامل: المعز بن قسطنطين بن كرامانليس؟ ولا أدرى لم لم يوردوا كلامه كاملا، وهو: "مهمَّد ما فيش! إدونى بكشيش، أو كِرْش هَشِيش، لا نروه ما نجيش!".
وفى الحدوتة الخرافية أيضا أن المعز كان يهدف، ضمن ما يهدف إليه، من امتحان النصارى إلى أنهم إن استطاعوا الإتيان بالمعجزة فبإمكانه التوسع بعمران القاهرة شرقا، إذ كان المقطم يقع شرقى عاصمته عند بركة الفيل كما يخرّفون. وهذا نص ما قيل، أُورِده بحرفه: "صمت الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مفكرا فى هذه الآية، ورأى أنه إذا كان كلام الإنجيل صحيحا فتكون فرصة ذهبية لإزاحة الجبل الجاثم شرق المدينة الجديدة (القاهرة) حتى يزيد عمرانها شرقا ويكون موقعها أروع، إذ كان الجبل قبل نقله على حدود بركة الفيل". ومعروف أن القاهرة قد بناها المعز فى منطقة الأزهر والحسين وما جاورها، فبركة الفيل إذن لا تقع شرقها بل إلى ناحية الجنوب منها. ثم إنه إذا أراد المعز توسيع القاهرة لقد كان عنده الشمال مفتوحا تماما، ويستطيع أن يمتد بعمرانه فيه كما يحلو له. فهذه غلطة أخرى قاتلة تدل على أن الأمر كله لا يعدو أن يكون خرافة سخيفة لا تليق إلا بالعوام ومن هم أدنى من العوام. ثم لو كان المعز يريد التخلص من النصارى، فهل كان هناك ما يمنعه من تنفيذ مخططه مباشرة دون الدخول فى مثل هذه المآزق؟ لقد كانت الدولة المصرية آنذاك قوية لا تبالى القوى الأجنبية ولا تعمل لها حسابا، وليس كما هو الحال الآن. وكان المعز قادرا على أن يصنع ما يريد فى هذا السبيل دون أن يعقب عليه معقب أو يقول له: ثلث الثلاثة كم؟ ولدينا ما صنعه حفيده الحاكم بأمر الله حين كان يطلع فى رأسه أن ينكل بهذه الطائفة أو تلك، بل أن ينكل بالشعب المصرى كله، فهل كان يلجأ إلى مثل تلك المناورات؟ أبدا، بل كان يمضى إلى تنفيذ ما فى ذهنه دون رقيب أو حسيب، بغض النظر عن النتائج بطبيعة الحال. وهنا نحب أن ننبه إلى ما وقع بالنصارى فى عهد الحاكم لقبح سلوكهم وتجبرهم وسوء استغلال كبارهم للمناصب المهمة التى بوّأتهم إياها الدولة آنذاك فانقلب الحاكم بأمر الله عليهم ونكل بهم، وإن لم ينفردوا دون سائر الشعب بهذا العسف مع توفر بواعثه فى حالتهم، وهو ما يكذّب ما قالته الخرافة المتخلفة تخلف عقل من اخترعها من أن وقوع المعجزة كان بدءا لعصر سلام تمتعت فيه الكنيسة بالازدهار. ذلك أنه لم يمض على المعجزة الكاذبة إلا قليل حتى جاء الحاكم وأدّب النصارى، وإن لم يكن نصيب المسلمين من عسفه أقل ما وقع بالنصارى من تأديب، بل قد يزيد.
ومما روته هذه الخرافة أيضا أن بطلها المسمى: "سمعان"، والذى يلقب مرة بــ"سمعان الخراز"، ومرة بــ"سمعان الدباغ" (وهو اضطراب آخر من الاضطرابات الكثيرة التى تعج بها الحدوتة السخيفة) كان أعور، إذ كان قد فقأ إحدى عينيه. لماذا، اسم الله عليه؟ قال: "قلعتها من أجل وصية الرب. فعندما نظرت لما ليس لى، فى شهوة، ورأيت أنى ماضى إلى الجحيم بسببها، فكرت وقلت: الأصلح لى أن أمضى من هذه الحياة بعين واحدة إلى المسيح خير من أمضى إلى الجحيم بعينين". وقد فسرت روايةٌ أخرى من روايات تلك الخرافة ما فعله ذلك المسكين بشىء من التفصيل على النحو التالى طبقا لما جاء عند عزت أندراوس فى الهامش رقم 11 لتلك الحدوتة فى "موسوعة تاريخ أقباط مصر"، إذ كتب قائلا: "عندما كان سمعان يقوم بعمله كإسكافى أتت إليه امرأه لتصلح نعل رجلها (خذوا بالكم والنبى من "نعل رجلها" هذه، وكأن هناك نعلا لليد، وآخر للرأس، وثالثا للأنف، ورابعا للأذن... وهلم جرا)، وكانت جميلة الصورة ، وعندما خلعت نعلها نظر إلى ساقها فنظرت عيناه إليها بشهوة، فأنّبته نفسه فضرب المخراز فى إحدى عينيه فأفرغها تنفيذا لوصية الرب: "إن كانت عينك اليمنى تُعْثِرك فاقلعها عنك، لأنه خير لك أن يَهْلِك أحد أعضائك ولا يُلْقَى جسدك كله فى نار جهنم" ( مت 5: 28- 29)... قد يقال أن سمعان الخراز تصرف بطريقة حرفيه، إلا أن هذا لا تنقص من قداسته لبساطته وإخلاصه وامانته فى تنفيذ هذه الوصية. كما أنه برهن على طهارته ونقاوة قلبه ورفضه للخطية التى تمكنت منه فى لحظه ضعف. كما أنه لم ينظر إلى المرأه بعين واحده وإنما الإثنين. فإنه أرد أن يعاقب نفسه على هذه النظرة الشريره التى إقتربت من الشهوة إلى حد أنها أصبحت فى حد ذاتها شهوة".
لكن فات سمعان والذين يقدسون سمعان، وهم بطبيعة الحال أحرار فى ذلك، أنه هو أو أى إنسان فى العالم عندما ينظر إلى شىء أو شخص فإنه ينظر إليه بعينيه الاثنتين لا بعين واحدة، فكيف اكتفى بقلع واحدة ولم يشفعها بالأخرى حتى يتأكد أنه لن يذهب إلى الجحيم ويعذَّب ولو نصف تعذيب؟ كذلك من غير الممكن أن تكون هذه هى المرة الوحيدة التى رأى فيها امرأة جميلة وتحركت نفسه إليها، وإلا ما كان بشرا سويا، وهو ما يكذبه تطلعه إلى قدم المرأة كما جاء فى تلك الخرافة. فلماذا لم يمض على سنته فيقلع العين الثانية بعد ذلك ما دام لم يقلعها أول مرة فيريح ويستريح؟ ثم لماذا لم يذهب فى ذات الاتجاه فيصلم أذنيه ويصب فيهما الآنُك كيلا يسمع صوتا أنثويا رقيقا أو مغناجا فيتطاول قلبه وتكون كارثة أخرى؟ ثم لماذا لم يستمر على نفس المنوال فيجدع أنفه ويسد فتحتيه بما يمتنع معه أن يشم عطر امرأة فواح يحرك أوتار خياله ونجد أنفسنا أمام كائنة أخرى من تلك الكوائن التى تؤدى بصاحبها إلى جهنم، والعياذ بالله؟ ثم إن الخرافة المضحكة قد نسيت أن تقول لنا ماذا فعلت المرأة صاحبة "الرِّجْل" التى تسببت فى هذه الكارثة. ذلك أننى أتصورها، حين رأت ما صنعه هذا المجنون، قد لطمت ورقَعت بالصوت الحَيّانى على عادة نساء مصر فى مثل تلك المواقف حتى تكأكا حولها خلق الله من كل حَدَب وصوب، وهى لا تكف عن الصياح واللطم والعويل (فهكذا سِلْو المصريات!)، وكانت حكاية شغلت الصحافة وبقية وسائل الأعلام العام بطوله! وبالمناسبة فلا يمكن أن تكون قدمها إلا قدما قشفة، وإلا فما الذى ينتظره الإنسان من امرأة تذهب إلى الإسكافى ليصلح لها نعلها الذى لا تملك غيره؟ ترى ما الذى كان قمينا أن يحدث لو كانت المرأة سيدة مترفة ذات قدم بضة مضيئة؟ لا أظن إلا أن سمعان الورع التقى كان سيسرع حينئذ إلى أقرب طبنجة ويطخّ بها رأسه ضمانا للنجاة، وهو لا يكاد يصدّق مع ذلك بأنه نجا!
ثم إنى أتساءل: كيف يا ترى يقال رغم هذا إن النصرانية هى ديانة الرحمة والخلاص، وإن المسيح قد فَدَى بدمه وصَلْبه البشرية من خطاياها؟ فإذا كان هذا هو السلوك المنتظر من المؤمنين بالمسيح إذا أرادوا نجاةً من نيران الجحيم طبقا لما وصاهم به هو نفسه، فما فائدة نزوله إذن من علياء ألوهيته أو ألوهية أبيه السماوى إلى دنيانا هذه بنت الجزمة القديمة؟ وفيم كانت كل تلك الدراما الرهيبة من قبض عليه وصلب له وقتل إياه؟ أوَطلع هذا كله على الفاضى؟ فلِمَ مكايدة النصارى إذن لغير النصارى وتحنيسهم إياهم بأنهم ليس لهم مسيح يفديهم كما لهم هم مسيح يفديهم ويخلصهم من خطيئتهم الأولى ويدخلهم ملكوت السماوات ما دامت المسألة فى نهاية المطاف سترسو على قلع الأعين وصلم الآذان وجدع الآناف تجنيا لأهوال جهنم، وهو ما لا وجود له ولا لفيمتو واحد منه فى دين محمد؟ والعجيب أن شريعة التوراة الموسومة بالقسوة والوحشية والمتَّهَم أصحابها بالحَرْفية والمظهرية والنفاق تخلو من مثل هذه الوصية الكارثية، فهل هذه هى الرحمة التى جاءت بها شريعة الإنجيل؟
أما شريعة محمد، الذى يتخذه الأوغاد غرضا لشتائمهم وبذاءاتهم ويريد بعض الناس أن نسكت على شتمه ولا نرد عنه قلة الأدب والصياعة الإجرامية، فإن لها رأيا آخر هو الحكمة كلها، والفقه كله، والعطف كله. جاء فى صحيح مسلم مثلا: "كُتِبَ على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطَا، والقلب يهوى ويتمنى. ويصدّق ذلك الفرج ويكذّبه"، وفى رواية ثانية: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة: فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنَّى وتشتهي. والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه".
و بطبيعة الحال فإن الرسول عليه السلام لا يشجع هنا على التساهل، بل يعصم النفوس من اليأس إن حسبت أنها يمكن أن تعلو تماما عن مطالب الجسد وشهواته وكأنها ملائكة نورانية لا غرائز عندها ولا تطلعات إلى متاع الحياة، ثم تفاجأ بأن ذلك مستحيل تماما مما يدفعها إلى الوقوع فى حمأة الإثم والتخبط فى شباكه ما دام ليس ثمة أمل من وراء الجهود المتلاحقة والحرمانات المتصلة. وهل هناك شخص يستطيع أن يزعم صادقا أنه قد نجح تمام النجاح فى ألا ينظر إلى امرأة فاتنة أو يسمع صوتا جميلا أو يشم عطرا فواحا طوال حياته، أو أنه نظر وسمع وشم ولم يكن لهذا أى تأثير فى نفسه على الإطلاق؟ إنه إذن لأكذب الكذابين وأشد المنافقين نفاقا والتواء! والعبرة على أى حال فى ألا يستجيب لصوت الشهوة أو ينساق معه، بل يوقفه بكل ما عنده من جهد. والبشر متفاوتون فى هذا الجهد: فمنهم من يتوقف سريعا فلا يمضى بعيدا فى خيالاته، ومنهم من يضعف فيترك لخواطره العنان، ومنهم من قد يمضى إلى ما هو أبعد من ذلك. وهذا ما نشاهده حولنا دون حذلقات ماسخة. وباب التوبة مفتوح دائما أبدا، والله يغفر الذنوب جميعا مهما غلظت وضخمت ما دام مجترحها يشعر بخطئه ويندم عليه ويعمل بكل وسعه على عدم المعاودة حتى لو تكرر وقوعه بعد ذلك فى الذنب. فالمهم أن يظل الضمير يقظا وألا يستسلم صاحبه للآثام فيجترحها على أنها أمرٌ عادىٌّ لا يستوجب الشعور بالذنب والخجل. فهذا أفضل من سد بيبان العفو والغفران وتيئيس الناس ودفعهم دفعا إلى الآثام والخطايا بإيهامهم أن سيئاتهم تجلّ عن المغفرة، مع أنه سبحانه قد تكفل بغفران الذنوب جميعا. والعجيب أن نرى السيد المسيح عليه السلام يتشدد كل هذا التشدد فى الوقت الذى لم تكن ذنوب أنبياء العهد القديم أنفسهم هى اجتراح الذنوب البسيطة من عيّنة النظر إلى ساق امرأة قشفة مثلا لا تثير شهوة صرصور، بل منهم من زنى، ومنهم من دلّس، ومنهم من حقد، ومنهم من قتل بضمير بارد وإجرام متوحش لا يعرف الندم، ومنهم من أعان زوجاته على عبادة الأصنام، مما تعد معه نظرة سمعان المسكين إلى ساق المرأة الجلفة حسنة من الحسنات تكفل لصاحبها مقعدا فى البريمو بملكوت السماء!
فى ضوء هذا نقرأ النصوص التالية من العهد الجديد: "«
( واما انا فاقول لكم ان كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك.لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك.لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم " (متي 5/27-30). ( فان اعثرتك يدك او رجلك فاقطعها وألقها عنك.خير لك ان تدخل الحياة اعرج او اقطع من ان تلقى في أتون النار الابدية ولك يدان او رجلان. وان اعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك.خير لك ان تدخل الحياة اعور من ان تلقى في جهنم النار ولك عينان ) (متى18/8-9). ( وان اعثرتك يدك فاقطعها.خير لك ان تدخل الحياة اقطع من ان تكون لك يدان وتمضي الى جهنم الى النار التي لا تطفأ.حيث دودهم لا يموت والنار لاتطفا.وان اعثرتك رجلك فاقطعها.خير لك ان تدخل الحياة اعرج من ان تكون لك رجلان وتطرح في جهنم في النار التي لا تطفاحيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ.وان اعثرتك عينك فاقلعها.خير لك ان تدخل ملكوت الله اعور من ان تكون لك عينان وتطرح في جهنم النار.حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ.) مرقس9/43-48). وأترك القارئ الآن ليقارن بين كلام وكلام ويرى بنفسه ولنفسه الفرق بين مثاليات متشنجة لا تؤكل عيشا (ولا "جاتوهًا"، حتى لا تنطّ لنا فيها الغبية مارى أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر!) ولا تؤدى بمتّبعها إلى شىء، اللهم إلا الكوارث أو الكذب والتشدق بما لا يستطيعه هو أو سواه، وبين تشريع إنسانى يلائم بين سمو المثالية وضغط الواقع الذى لا يمكن الإفلات تمام الإفلات منه، ويعرف من ثم أن شريعة محمد هى الشريعة الأجدر بالقبول لدى كل من عنده نظر فى عينيه، وعقل فى رأسه يفكر به ويعرف خلاصه، وإلا فلم تكن الجعجعة بقادرة يوما على أن تبلّغ صاحبها أى شىء!
ألا ما أسهل الكلام الجميل المنمق الذى يُسْكِر النفوس ويدغدغ المشاعر، لكنه عند التطبيق لا ينجلى عن أى طائل. وما هكذا تساس أمور البشر، بل السياسة السليمة هى التى تدفعنا فى طريق النجاة ولو خطوات بدلا من أن نظل نراوح أماكننا ونحن نهتف بالشعارات المثالية الباعثة مع ذلك على الضحك والمنتهية سريعا إلى اليأس والإحباط! ترى هل من المستطاع مثلا الحفاظ على أثوابنا من الاتساخ والعرق مهما اجتهدنا وبذلنا كل ما لدينا من وسع لاتقاء البقع والغبار والطين ورائحة إفرازات الجسد؟ إن هذا، بطبيعة الحال، أمر غير ممكن، وكل ما نستطيعه هو أن نغير دائما ملابسنا كلما اتسخت ولا نبقيها على أجسامنا بما تؤذى به العين من قذارة، والأنف من نتانة، عارفين أن ذلك لن يضع حدا لتلك القذارة ولا لتلك النتانة، وأنهما متكررتان لا محالة مما يستلزم تغيير الملابس من جديد والتخلص من القذارة والرائحة المزعجة... وهكذا دواليك. وبالمثل لا يمكن أن يتقى الإنسان الأخطاء الأخلاقية تماما وفى كل الأوقات والظروف. إن كثيرا من المنتمين إلى الإسلام مثلا لا يزنون ولا يسرقون ولا يتعاطون الخمور، ويصلون ويزكون ويحجّون ويؤدون واجبهم فى الحياة ويتقنون أعمالهم ويسعون فى طلب العلم ...، لكن هذا شىء، والزعم بأن هؤلاء وأمثالهم لا يقعون فى أية صغائر على الإطلاق شىء آخر تكذبه طبيعة الحياة ومنطق الواقع وما نعرفه من محدودية الطاقة الأخلاقية عند بنى الإنسان رغم قدرتها مع ذلك على التحليق فى عُلْيَا السماوات فى كثير من الحالات!
ومن التدليس النئ المفضوح قولهم إن المقطم إنما سمى: "مقطَّما" لأنه فى هذه المعجزة قد تقطم، أى تقطع قِطَعًا: "تحكى مخطوطة بدير الأنبا أنطونيوس أن الجبل المقطم سُمِّىَ كذلك، أى المقطَّم أو المقطَّع أو المقطَّب، لأن سطحه كان متساويا أى متصلاً، فصار ثلاث قطع، واحدة خلف الأُخرى، ويفصل بينهم مسافة. وتقول قواميس اللغة العربية أن كلمة "مقطم" معناها "مقطع"...". وها هنا عدة أمور: أولها هل تقطع الجبل؟ أم هل انتقل من مكانه؟ أم هل بقى على حاله الأولى؟ لنُعِدْ قراءة ما قالته الحدوتة فى هذا الصدد: "بعد تقديم الأسرار المقدسة التى رفعها البابا والأساقفة ردد المصلون بروح منكسرة وقلوب منسحقة صلاة "كيرياليسون: يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ثم صمتوا برهة بين يدى العلى. وأبتدأوا فى السجود والقيام ثلاث مرات، والأب البطريرك يرشم الجبل بالصليب، وإذ بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل، وفى كل سجدة يندك الجبل، ومع كل قيام يرتفع الجبل إلى أعلى وتظهرالشمس من تحته، ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة. إنها قوة الإيمان الذى أعلنه معلمنا الرسول بولس إذ قال: "أستطيع كل شئ فى المسيح يسوع الذى يقوينى" (فى 4 :13). عندما حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع المحتشدة معه، وهتف المعز بأعلى صوته قائلاً: عظيم هو الله، تبارك أسمه. وألتمس من البابا أن يكف عن عمله لئلا تنقلب المدينة. وعندما هدأت الأمور قال للبابا: لقد أثبتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى. بعد أن هدأت نفوس الجموع المحتشدة بدأوا ينزلون من الجبل ليعودوا إلى بيوتهم. أما البابا البطريرك فقد تلفت حوله باحثا عن القديس سمعان الخراز الذى كان يقف خلفه فلم يجده ولم يعثر أحد عليه بعد ذلك حتى أظهرته نعمة الله فيما بعد كما سنرى. تحكى مخطوطة بدير الأنبا أنطونيوس أن الجبل المقطم سُمِّىَ كذلك، أى المقطم أو المقطع أو المقطب لأن سطحه كان متساويا، أى متصلاً، فصار ثلاث قطع، واحدة خلف الأُخرى، ويفصل بينهم مسافة. وتقول قواميس اللغة العربية أن كلمة "مقطم" معناها "مقطع"...".
ومعنى السطور الثلاثة الأخيرة أن الجبل لم يكن اسمه سابقا: "المقطم" لأنه لم يكن قد انقطم قبل تلك الواقعة. لكنْ من الواضح أن كل ما حدث، حسبما تقول الخرافة المضحكة، هو أن الجبل قد ارتفع وهبط عدة مرات، والناس فوقه إلى آخر لحظة كما قلنا، ثم لا شىء آخر، إذ لا تذكر الحدوتة من قريب أو من بعيد أنه قد تقطع البتة أو انتقل من موضعه، وهو ما يعنى أن التفسير المقدم هنا لكلمة "المقطم"، وهو حصول المعجزة، ليس سوى كلام فارغ. ثم إذا عرفنا أن هذا الجبل كان معروفا عند العرب بهذا الاسم قبل ذلك بوقت طويل كان هذا دليلا آخر على كذب الحدوتة. وهذه بعض الشواهد على ذلك من شعر العرب ونثرهم قبل عصر الفاطميين: يقول أيمن بن خُرَيْم الأسدى (ت 80 هــ):
رَكِبْتُ مِنَ الْمُقَطَّمِ فِي جُمَادَى إِلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ البَرِيدَا
يقصد أنه سافر من مصر حيث كان عبد العزيز بن مروان واليا، إلى العراق الذى كان يتولاه أخوه بشر. ويقول كُثَيِّر عزة (40- 105هــ):
تُعَالِي وَقَد نُكّبنَ أَعلامَ عابِدٍ بِأَركانِها اليُسْرَى هِضابَ المُقطَّمِ
ويقول منصور بن إسماعيل الفقيه (ت 306هــ) فى الثناء على الشافعى وعلمه:
أَضحى بمصر دفينًا في مقطَّمِها نِعْمَ المُقَطَّم وَالمَدْفون في تُرْبِه
ويقول مُعَلّى الطائى (وهو من أهل القرنين الثانى والثالث الهجريين) فى رثاء جاريته وَصْف، وكان يحبها حبا شديدا فماتت ودفنت فى المقطم:
خَلَّيتِني فَرْدًا وبِـنْـتِ بـهـا
ما كنتُ قَبْلَكِ حافلا وكـفـا
فَتَرَكْتُها بالرَّغْم فـي جَـدَث
للرّيح يَنْسِف تُرْبَه نَـسْـفـا
دون المقطم لا ألـبـّسـهـا
من زينةٍ قُرْطًا ولا شَنْـفـا
أسْكَنْتها في قَعْر مُـظْـلِـمةِ
بيتًا يُصافِح تُرْبُه السـقْـفـا
بيتـًا إذا مـا زَاره أَحَـــدٌ
عَصَفَتْ به أيْدِي البِلَى عَصْفا
===========
1) المجادلة الدينية الحادة :
كان المعز لدين الله الفاطمى - محباً لمجالس الأدب ،
ومولعاً بالمباحثات الدينية ، وكان يجمع رجال الدين من المسلمين
والمسيحيين واليهود للمناقشة فى مجلسه ، وأشترط أن يكون ذلك بلا غضب أو
خصام ...
وكان فى ديوان المعز رجل يهودى أعتنق الأسلام لكى يعيين وزيراً فى الدولة ، وكان أسم هذا الرجل " يعقوب بن كلس " .
ورغم أنه أعتنق الأسلام إلا أنه مازال متعصباً لدينه اليهودى، لأنه لم
يعتنق الأسلام عن عقيدة بل لأجل المنصب . وكان هذا اليهودى يبغض المسيحيين الى اقصى درجه , خاصه وانه كان له خصم مسيحى يعزه الخليفه
، وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيراً عوضاً عنه ، وكان اسمه
" قزمان بن مينا الشهير بأبواليمن " فأستدعى يعقوب بن كلس اليهودى واحداً
من بنى قومه يُدعى " موسى "
ليجادل البابا البطريرك الأنبا ابرآم فى مجلس الخليفة المعز ...
أرسل الخليفة للآب البطريرك قائلاً :- إن شئت يوماً أن تحاجج اليهود بنفسك
أو بواسطة من تختار من الأساقفة ، فتعال إلى دارى وناقشهم أمامى ..
حدد البابا الأنبا ابرآم موعداً لذلك ، وأصطحب معه الأنبا ساويرس بن
المقفع أسقف الأشمونين ( بالصعيد ) وكان من علماء الكنيسة فى جـــيله ،
فهو الذى كتب تاريخ " سير البطاركة " وكان أيضاً لاهوتياً ضليعاً ، وخاصة
فى اللاهوت المقارن بين الأديان ، وله كتب كثيرة فى هذا المجال منها :
كتاب التوحيد ، وكتاب الأتحاد الباهر فى الرد على اليهود ... وكتب كثيرة
أخرى .
وعندما أستقر مجلس الخليفة ، وكان حاضراً أيضاً الوزير بن كلس اليهودى ، ورفيقه موسى .
فقال المعز للبابا:- تكلم أيها البابا الوقور ، أو أمنح رفيقك الأذن بالكلام.
فقال البابا لأسقف الأشمونين الأنبا ساويرس :- تكلم يأبنى . ولتمنحك الحكمة الألهية حكمة من لدنها.
فقال الأنبا ساويرس بفطنة روحية :- ليس من اللائق أن أتحدث إلى يهودى فى
حضرة الخليفة .فأحتد موسى اليهودى رفيق الوزير وقال :- إنك تهيننى فى مسمع من أمير المؤمنين إذ تصفنى بالجهل .
فسأله الأنبا ساويرس بهدوء :- وإن قدمت لكَ الدليل على جهلك ، أفلا تغضب ؟
وهنا تدخل الخليفة المعز بسماحته وبلاغته قائلاً :- لا داعى للغضب فى
المناقشة ، لأن الحرية مكفولة لكل منكم ، حتى يعبر كل واحد عن عقيدته
بصراحة وبلا حرج .
فقال الأنبا ساويرس بثقة :- لست أنا الذى أصفكم بالجهل ، بل أن نبياً عظيماً نال كرامة خاصة من الله هو الشاهد عليكم .
فسأله موسى اليهودى قائلاً :- ومن يكون هذا النبى ؟
أجابه الأنبا ساويرس على الفور :- أنه أشعياء النبى الذى قال عنكم : "
الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه ، أما أسرائيل فلا يعرف شعبى لايفهم
فأنفجر الخليفة المعز ضاحكاً ، إذ أُعجب بفطنة الأنبا ساويرس ، وأُعجب بمهارته فى الحوار ...
ثم سأل الخليفة موسى اليهودى قائلاً :- أهذه كلمات أشعياء النبى حقاً ؟
فكتم موسى اليهودى غيظه ، فأجاب بصوت خفيف :- نعم يامولاى .
فأستطرد الأنبا ساويرس فى الكلام قائلاً :- ها أن نبياً عظيماً من أنبيائكم قد أعلن بأن الحيوانات أكثر فهماً منكم .
وكان الخليفة لايزال ثملاً من براعة هذه الدعابة ، ورأى أن يكتفى بذلك فى تلك الجلسة .
2) المؤامــــرة الخبيثة :
كان من أثر تلك المجادلة الحادة أن تضايق الوزير بن كلس للغاية ، هو
ورفيقه موسى اليهودى ... فقررا الأنتقام من الأنبا ابرآم والأنبا ساويرس
بتدبير مؤامرة تقضى على الأقباط جميعاً . فأخذ موسى اليهودى يفتش فى
الأنجيل المقدس عن شئ يساعده فى تحقيق غرضه الخبيث ، فوجد الآية المقدسة
التى قالها رب المجد يسوع المسيح " لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل ، لكنتم
تقولون لهذا الجبل أنتقل من هنا إلى هناك فينتقل ، ولايكون شئ غير ممكن
لديكم .
أسرع موسى اليهودى مع الوزير بن كلس إلى الخليفة المعز ، وقالا له :- وجدنا فى أنجيل النصارى أنه مكتوب
" أن من له إيمان مثل حبة خردل ينقل الجبل"
فمن حقنا أن نطالبهم بإثبات صحة دينهم بإتمام هذا الكلام . فإن لم يستطيعوا وجب عقابهم لبطلان دينهم ...
صمت الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مفكراً فى هذه الآية ، ورأى أنه إذا
كان كلام الآنجيل صحيحاً فتكون فرصة ذهبية لإزاحة الجبل الجاثم شرق
المدينة الجديدة (القاهرة) حتى يزيد عمرانها شرقاً ، ويكون موقعها أروع إذ
كان الجبل قبل نقله على حدود بركة الفيل ... أما إذا عجزوا عن تنفيذ
هذا الكلام ، كان ذلك دليلاً قاطعاً على بطلان دين النصارى ، ومن ثمَ تحتم
إزالة هذا الدين من الوجود .
أرسل الخليفة المعز إلى البابا الأنبا ابرآم السريانى ، فحضر اليه وتكلم
معه عن أمر هذه الآية ، وأن عليه أن يختار أمراً مما يآتى :-
1) إما تنفيذ هذه الوصية ، ونقل الجبل الشرقى المقطم .
2) وإما أعتناق الإسلام ، وترك الدين المسيحى لبطلانه .
3) وإما ترك البلاد المصرية والهجرة إلى أى بلد آخر .
4) أو الأبادة بحد السيف .
أطرق القديس البطريرك مصلياً فى قلبه ، ليرشده الرب فى هذه المحنة ... ثم طلب من الخليفة أن يمهله ثلاثة أيام ، ثم يرد عليه جواباً .
3) المنادة بصوم واعتكاف :
رجع البابا إلى مقره حزيناً ، وأصدر منشوراً عاماً يأمر فيه جميع
المسيحيين فى مصر بالصوم ثلاثة أيام إلى الغروب ، مع أقامة الصلوات الحارة
من أجل سلامة الكنيسة ، وأنقاذها من هذه المحنة ... يالها بصيرة روحية
وحكمة سماوية .. تلك التى تلجأ إلى الله فى الظروف والمحن .. فما اروع
ماتصليه الكنيسة فى القداس الألهى قائلة : " لأننا لانعرف آخر سواك ..
أسمك القدوس هو الذى نقوله فتحيا نفوسنا بروحك القدوس ... "
بعد ذلك ذهب البابا إلى كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة ، وطلب
الأساقفة الذين كانوا موجودين بمصر القديـــمة ، والكهنة والأراخنة
والرهبان ... وذكر لهم ماحدث بينه وبين الخليفة المعز ، وقال لهم :
- علينا بالصوم والصلاة هذه الأيام الثلاثة التى أستمهلته أياها ، ليترأف الله علينا بنعمته ، ويهئ لنا طريق النجاة .
أستجاب الجميع لنداء البابا ، وصام الشعب القبطى فى طول البلاد وعرضها ،
وأقيمت القداسات ، ورُفِعَت الصلوات والطلبات من أجل هذه المحنة التى
تجتازها الكنيسة ..
وأعتكف البابا الأنبا ابرآم ، مع بعض الأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة
بكنيسة السيدة العذراء بالمعلقة لمدة هذه الأيام الثلاثة ..
فى فجر اليوم الثالث ، غفا البابا غفوة قصيرة ، فرأى خلالها السيدة العذراء ، وسمعها تقول له :
- ماذا بكَ ؟
فأجابها البابا :- أنتِ تعلمين ياسيدة السمائيين والأرضيين .
فقالت له :- لاتخف أيها الراعى الأمين ... فإن دموعك التى سكبتها فى هذه
الكنيسة ، مع الأصوام والصلوات التى قدمتها أنتَ وشعبك لن تُنسى ...
أخرج الآن من الباب الحديدى المؤدى إلى السوق، وعند خروجك منه ستجد أمامك
رجلاً بعين واحدة ، حامل جرة ماء ... أمسك به ، لأنه الرجل الذى ستتم
المعجزة على يديه ...
وما ان قالت السيدة العذراء ذلك حتى توارت عن عيني البابا الذى أستيقظ من نومه مندهشاً .
عندما أستيقظ البابا من النوم وخرج فى الحال إلى الباب الحديدى المؤدى إلى
السوق ، رأى خارجه الرجل الذى أشارت إليه السيدة العذراء ، فأمسك به ...
وأدخله داخل الباب الحديدى ، ثم أغلق الباب ... ثم ذكر البابا له ما حدث
بينه وبين الخليفة ، وما أمرته به السيدة العذراء ، بأنه هو الرجل الذى
ستتم على يديه المعجزة ...
فقال له القديس سمعان :- أغفر لى يا أبتى ، فأنى رجل خاطئ .
فقال له البابا فى أصرار :- أنه أمر أم النور ...
فأجاب القديس سمعان فى خضوع وأتضاع :- مادامت أم النور هى التى حكمت علىّ
بأن أوّدى هذا الواجب العظيم ، فأنى أضع نفسى فى خدمتك ياسيدى .
فسأله البابا عن أسمه ، وعن سبب وجوده فى السوق فى مثل هذه الساعة المبكرة ، بينما الناس نيام ...
فأجابه القديس سمعان :- أسمى سمعان الخراز . وأنا أشتغل بدباغة الجلود،
ولكنى أقوم فى مثل هذه الساعة من كل صــباح لأملأ قربتى بالماء ، وأوزعه
على الكهول والمرضى الذين أقعدتهم الشيخوخة أو المرض عن المقدرة على أحضار
الماء لأنفسهم ..
وعندما أنتهى من خدمتى هذه ، أُعيد قربتى إلى البيت وأذهب إلى عملى عند
صاحب مصنع الدباغة حيث أعمل حتى المساء ، وعند غروب الشمس ، أخرج مع بقيةالأُجراء ، فأكل القليل لأسد به رمقى ، ثم أنصرف إلى الصلاة ..
ثم رجا القديس سمعان من البابا أن يكتم حقيقة أمره طالما هو حى على هذه الأرض .
بعد أن أنتهى القديس سمعان من حديثه السابق ، قال للآب البطريرك :- أصعد
يا أبى المكرم إلى الجبل ، وخذ معك رجال الدين والشمامسة والأراخنة ،
وأجعلهم يحملون عالياً الأناجيل والصلبان والشموع الطويلة موقدة والمجامر
مملوءة بخورا ً .وأطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم .. فتقفوا أنتم
على ناحية من الجبل ، بينما يقفوا هم على الناحية المقابلة لكم ، وسأقف
أنا وسط الشعب خلف غبطتكم بحيث لايعرفنى أحد .
ثم إنك بعد تقديم الأسرار المقدسة ، ترفع صوتك مع الجميع مرددين " كيرياليسون " أربعمائة مرة .
ثم أصمت بعد ذلك بعض اللحظات ، ثم أسجد أنت والكهنة أمام العلى ، وكرر هذا العمل ثلاث مرات ، وفى كل مرة تقف فيها بعد السجود ، أرسم الجبل بعلامة الصليب ، وسترى مجد الله ...
أخبر الآب البطريرك الخليفة المعز لدين الله الفاطمى، أنه مستعد لتنفيذ
مطلبه بنعمة الله ... فخرج الخليفة ممتطياً صهوة جواده ، ومعه حشد رهيب من
رجال حاشيته وعظمائه وجنوده .. وتقابل مع الآب البطريرك وعدد كبير من
الأساقفة والكهنة والشمامسة والأراخنة والشعب وبينهم القديس سمعان الخراز
.. ووقف الفريقان كما قال القديس سمعان ، مقابل بعضهما فوق جبل المقطم .
بعد تقديم الأسرار المقدسة التى رفعها البابا والأساقفة، ردد المصلون بروح
منكسرة وقلوب منسحقة صلاة "كيرياليسون - يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقاً
وغرباً وشمالاً وجنوباً ..
ثم صمتوا برهة بين يدى العلى .. وأبتدأوا فى السجود والقيام ثلاث مرات ،
والآب البطريرك يرسم الجبل بالصليب ، وإذ بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل ، وفى
كل سجدة يندك الجبل ، ومع كل قيام يرتفع الجبل إلى أعلى وتظهرالشمس من
تحته ، ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة عندما حدثت المعجزة ، فزع الخليفة المعز ، وأرتعب، وكل الجموع المحتشدة معه ، وهتف المعز بأعلى صوته
قائلاً :- عظيم هو الله ، تبارك أسمه ..وألتمس من البابا أن يكف عن عمله ، لئلا تنقلب المدينة .
وعندما هدأت الأمور قال للبابا :- لقد أثبتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى ..
بعد أن هدأت نفوس الجموع المحتشدة ، بدأوا ينزلون من الجبل ليعودوا إلى
بيوتهم .أما البابا البطريرك فقد تلفت حوله باحثاً عن القديس سمعان الخراز
الذى كان يقف خلفه ، فلم يجده ، ولم يعثر أحد عليه بعد ذلك ...
= تسمية الجبل بالمقطم :
تحكى مخطوطة بدير الأنبا أنطونيوس أن الجبل المقطم سُمى كذلك أى المقطم أو
المقطع ، أو المقطب ، لأن سطحه كان متساوياً أى متصلاً ، فصار ثلاث قطع ،
واحدة خلف الأُخرى ، ويفصل بينهم مسافة
وتقول قواميس اللغة العربية أن كلمة (( مقطم )) معناها(( مقطع ))
---------------------------------------------------الرد -------------
ونبدأ بقول كاتب السيرة عن يعقوب بن كلس اليهودى الذى كان قد أسلم فى عهد كافور الإخشيدى وانتهى به الحال إلى الدخول فى خدمة الفاطميين بعد فتحهم لمصر: "ورغم أنه أعتنق الأسلام إلا أنه مازال متعصبا لدينه اليهودى، لأنه لم يعتنق الأسلام عن عقيدة بل لأجل المنصب. وكان هذا اليهودى يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة، خاصة وأنه كان له خصم مسيحى يعزه الخليفة، وكان اليهودى يخشى أن يعينه وزيرا عوضا عنه، وكان اسمه "قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن"، فها هنا يقول كاتب سيرة سمعان الإسكافى إن ابن كلس كان وزيرا للمعز لدين الله، وخشى أن يستبدل الخليفة الفاطمى به رجلا نصرانيا يحل محله فى الوزارة. وهذا كله كذب، ببساطة لأن ابن كلس لم يكن يوما وزيرا للمعز، بل لابنه العزيز. فهذا أول مِعْوَل فى جدران الخرافة المضحكة، وفى أول فقرة منها، وهو ليس بالمعول الضعيف، بل معول مزلزل.
الثانية أن راوى الخرافة 0 نقل جبل المقطم قد وصف المعز الفاطمى أكثر من مرة بالسماحة وسعة الصدر واحترام البطرك وتوقيره، بالإضافة إلى أنه، عند الكلام عن مجالسه الدينية، قد ركز على اشتراطه عدم الغضب أثناء الجدال بين أصحاب الأديان المختلفة. لكنه ينسى هذا كله فجأة ليقدم للمعز نفسه صورة أخرى مخالفة، إذ انتهز ما قاله له ابن كلس عن آية استطاعة المؤمن النصرانى نقل الجبل من مكانه إذا أراد، وعوّل على عقد اللقاء الثانى بين اليهودى والبطرك لاستغلاله من أجل القضاء على النصارى فى البلاد وقَطْع دابرهم. كيف يمكن أن يحدث ذلك فى غمضة عين للمعز المتسامح الواسع الصدر المحب للعلم والعلماء الموقر لبطرك الأقباط والذى يفسح فى مجالسه للمجادلات الدينية دون غضب أوتعصب، وهو أمر لم يفكر فيه من قبلُ ولا من بعدُ حاكم مسلم لا فى مصر ولا فى أى بلد إسلامى آخر؟ الواقع أن هذا أمر لا يصدقه عقل، فطبائع الشخصيات البشرية لا تنقلب بهذه السرعة ولا بهذه السهولة ولا لهذه الأسباب التافهة، اللهم إلا إذا كان صاحب الشخصية من الإمَّعات، وحاشا أن يكون المعز بهذه الضآلة! لا أقول هذا من لَدُنّى، بل يقوله التاريخ، ويقوله كاتب السيرة نفسه.
كذلك تقول الحدوتة إن البطرك، حين رجع من عند المعز، أصدر منشورا للنصارى جميعا فى عموم البلاد أن يصوموا تلك الأيام الثلاثة التى ضربها للخليفة ميعادا لتحقيق المعجزة، بما يعنى أنه لا بد من إعلام النصارى فى كل أرجاء مصر بما جاء فى المنشور فى نفس اليوم رغم سعة البلاد طولا وعرضا كما هو معروف. والسؤال هو: كيف استطاع البطرك فى ذلك الزمن الذى كانت المواصلات فيه بدائية وبطيئة أن يوصل منشوره إلى رعيته فى ذات اليوم بحيث استطاعوا أن يصوموا الأيام الثلاثة المطلوبة قبل أن تبدأ المواجهة بينه وبين المعز؟ وإلى القارئ ما قاله كاتب الحدوتة بنفسه فى هذه النقطة: "ذهب البابا إلى كنيسة مريم العذراء المعروفة بالمعلقة، وطلب الأساقفة الذين كانوا موجودين بمصر القديـــمة والكهنة والأراخنة والرهبان، وذكر لهم ما حدث بينه وبين الخليفة المعز، وقال لهم: علينا بالصوم والصلاة هذه الأيام الثلاثة التى أستمهلته أياها، ليترأف الله علينا بنعمته ويهئ لنا طريق النجاة. أستجاب الجميع لنداء البابا، وصام الشعب القبطى فى طول البلاد وعرضها، وأقيمت القداسات، ورُفِعَت الصلوات والطلبات من أجل هذه المحنة التى تجتازها الكنيسة. وأعتكف البابا الأنبا ابرآم مع بعض الأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة بكنيسة السيدة العذراء بالمعلَّقة لمدة هذه الأيام الثلاثة". أما فى الرواية التى أوردها عزت أندراوس فى "موسوعة تاريخ أقباط مصر" فإن الأمر يوغل فى الاستحالة إن كان للاستحالة درجات متفاوتة: "وعاد البابا إلى منزلة بمصر وأحضر الكهنة والآراخنة بمصر وجميع الشعب القبطى وعرفهم ما حدث وهو يبكى". أى أن البطرك لم يكتف بإرسال المنشور إلى جميع أرجاء البلاد، بل أحضر الشعب القبطى كله إليه. كيف ذلك؟ علمه عند عالم السر وأخفى! أو ربما استدعاهم بنقرة من فارة الكمبيوتر فحضروا إليه فى الحال من جميع أنحاء الشبكة العنكبوتية وخرجوا من الحاسوب ملوحين بقبضاتهم المهدِّدة فى الهواء وهم يستنزلون اللعنات على رأس المعز ومن ,ويهتفون: بالروح، بالدم، نفديك يا إبرام!
وتمضى الحدوتة فتذكر أن السيدة مريم عليها السلام قد ظهرت للبطرك فى المنام: "فى فجر اليوم الثالث غفا البابا غفوة قصيرة فرأى خلالها السيدة العذراء، وسمعها تقول له: ماذا بكَ؟
فأجابها البابا: أنتِ تعلمين ياسيدة السمائيين والأرضيين.
فقالت له: لاتخف أيها الراعى الأمين، فإن دموعك التى سكبتها فى هذه الكنيسة مع الأصوام والصلوات التى قدمتها أنتَ وشعبك لن تُنْسَى. أخرج الآن من الباب الحديدى المؤدى إلى السوق، وعند خروجك منه ستجد أمامك رجلاً بعين واحدة حامل جرة ماء. أمسك به لأنه الرجل الذى ستتم المعجزة على يديه.
وما ان قالت السيدة العذراء ذلك حتى توارت عن عيني البابا الذى أستيقظ من نومه مندهشا".
ثم إننا نقرأ أيضا فى الحدوتة أن سمعان قد طلب من البطرك أن يذهب النصارى إلى الجبل يوم الامتحان ويصعدوا هم والمسلمون فيه بحيث يقف كل من الفريقين فى جانب. المهم أنهم جميعا سيكونون فوق الجبل، وهو ما حدث فعلا كما ورد فى الحدوتة فى أكثر من موضع: "أصعد يا أبى المكرم إلى الجبل، وخذ معك رجال الدين والشمامسة والأراخنة، وأجعلهم يحملون عاليا الأناجيل والصلبان والشموع الطويلة موقدة والمجامر مملوءة بخورا، وأطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم فتقفوا أنتم على ناحية من الجبل، بينما يقفوا هم على الناحية المقابلة لكم، وسأقف أنا وسط الشعب خلف غبطتكم بحيث لايعرفنى أحد... أخبر الآب البطريرك الخليفة المعز لدين الله الفاطمى، أنه مستعد لتنفيذ مطلبه بنعمة الله، فخرج الخليفة ممتطيا صهوة جواده، ومعه حشد رهيب من رجال حاشيته وعظمائه وجنوده، وتقابل مع الآب البطريرك وعدد كبير من الأساقفة والكهنة والشمامسة والأراخنة والشعب وبينهم القديس سمعان الخراز، ووقف الفريقان، كما قال القديس سمعان، مقابل بعضهما فوق جبل المقطم". إذن فالفريقان كلاهما كانا واقفين فوق الجبل، ومع هذا تقول الحدوتة المتخلفة إن الجبل اندك أكثر من مرة (وهم بطبيعة الحال فوقه) وأخذ يتراقص تراقصا مرعبا فيصعد كلما رفع النصارى رؤوسهم من السجود، ويرجع إلى موضعه من الأرض مندكًّا حين يعودون فيسجدون، كل ذلك دون أن يتحطموا ويتفتتوا، بل دون أن يصيبهم أى أذى على الإطلاق، أو على الأقل دون أن يسقط أحد منهم من فوق الجبل أثناء هذه الألاعيب الأكروباتية التى كان يأتيها هذا الجبل العفريت! تصوروا!
وأنكى من ذلك أنهم كانوا يشاهدون الشمس من تحت الجبل كلما ارتفع فى الهواء عند قيامهم من السجود. أى أنهم كانوا واقفين فوق الجبل، ومع ذلك استطاعوا أن يَرَوُا الشمس من تحت هذا الجبل! أين أنت يا خواجه بيجو كى تشق هدومك وتلطم خدودك وتطق عروقك كما كنت تصنع حين يفشر عليك أبو لمعة المسكين رغم أن فشره لا يعد شيئا مذكورا جنب هذا التخلف العقلى الرهيب الذى لا يصلح معه إلا إرسال صاحبه إلى العباسية؟ وهذا نص ما جاء فى الحدوتة عن ذلك الموضوع: "بعد تقديم الأسرار المقدسة التى رفعها البابا والأساقفة ردد المصلون بروح منكسرة وقلوب منسحقة صلاة "كيرياليسون: يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا (أربعمائة مرة بحالها؟ يا محمَّدى!). ثم صمتوا برهة بين يدى العلىّ، وأبتدأوا فى السجود والقيام ثلاث مرات، والآب البطريرك يرشم الجبل بالصليب، وإذ بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل، وفى كل سجدة يندكّ الجبل، ومع كل قيام يرتفع الجبل إلى أعلى وتظهر الشمس من تحته، ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة". "ياااا صلااااة النبى" على رأى إسماعيل يس! ولكم، أيها القراء، أن تتصوروا ما حدث للخليفة ورجاله وسائر المسلمين بعد هذه المداعبة المتهورة، فقد هَرّوا على أنفسهم طبعا (كما يفعل القمّص الحمار، ذو الدُّبر الهرّار): "عندما حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع المحتشدة معه، وهتف المعز بأعلى صوته قائلاً: عظيم هو الله، تبارك أسمه. وألتمس من البابا أن يكف عن عمله لئلا تنقلب المدينة". عجيبة! أوبعد كل تلك الزلازل والاندكاكات لم تكن المدينة قد انقلبت؟ ثم إنى كنت أتوقع أن يكون تعليق المعز للبطرك هنا هو: "ماذا تفعل يا رجل يا مجنون؟"، فهذا هو ما يقال فى مثل تلك الحالة، لكن مؤلف الحدوتة يفتقر للأسف إلى خفة الظل المصرية. وتنتهى هذه الحلقة من المسلسل بقول الراوى يا سادة يا كرام: "وعندما هدأت الأمور قال للبابا: لقد أثبتّم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى". هكذا إذن! لكن ماذا يكون هذا بالقياس إلى ما أنطقوا به المعز فى رواية أخرى للحدوتة، إذ قال: "محمد ما فيش!"، أى أن دين محمد لا معنى له جنب هذه الألاعيب الأكروباتية! نعم جعلوه يقول: "محمد ما فيش"، وكأنه خواجا إجريجى! ولم لا؟ أليس اسمه بالكامل: المعز بن قسطنطين بن كرامانليس؟ ولا أدرى لم لم يوردوا كلامه كاملا، وهو: "مهمَّد ما فيش! إدونى بكشيش، أو كِرْش هَشِيش، لا نروه ما نجيش!".
وفى الحدوتة الخرافية أيضا أن المعز كان يهدف، ضمن ما يهدف إليه، من امتحان النصارى إلى أنهم إن استطاعوا الإتيان بالمعجزة فبإمكانه التوسع بعمران القاهرة شرقا، إذ كان المقطم يقع شرقى عاصمته عند بركة الفيل كما يخرّفون. وهذا نص ما قيل، أُورِده بحرفه: "صمت الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مفكرا فى هذه الآية، ورأى أنه إذا كان كلام الإنجيل صحيحا فتكون فرصة ذهبية لإزاحة الجبل الجاثم شرق المدينة الجديدة (القاهرة) حتى يزيد عمرانها شرقا ويكون موقعها أروع، إذ كان الجبل قبل نقله على حدود بركة الفيل". ومعروف أن القاهرة قد بناها المعز فى منطقة الأزهر والحسين وما جاورها، فبركة الفيل إذن لا تقع شرقها بل إلى ناحية الجنوب منها. ثم إنه إذا أراد المعز توسيع القاهرة لقد كان عنده الشمال مفتوحا تماما، ويستطيع أن يمتد بعمرانه فيه كما يحلو له. فهذه غلطة أخرى قاتلة تدل على أن الأمر كله لا يعدو أن يكون خرافة سخيفة لا تليق إلا بالعوام ومن هم أدنى من العوام. ثم لو كان المعز يريد التخلص من النصارى، فهل كان هناك ما يمنعه من تنفيذ مخططه مباشرة دون الدخول فى مثل هذه المآزق؟ لقد كانت الدولة المصرية آنذاك قوية لا تبالى القوى الأجنبية ولا تعمل لها حسابا، وليس كما هو الحال الآن. وكان المعز قادرا على أن يصنع ما يريد فى هذا السبيل دون أن يعقب عليه معقب أو يقول له: ثلث الثلاثة كم؟ ولدينا ما صنعه حفيده الحاكم بأمر الله حين كان يطلع فى رأسه أن ينكل بهذه الطائفة أو تلك، بل أن ينكل بالشعب المصرى كله، فهل كان يلجأ إلى مثل تلك المناورات؟ أبدا، بل كان يمضى إلى تنفيذ ما فى ذهنه دون رقيب أو حسيب، بغض النظر عن النتائج بطبيعة الحال. وهنا نحب أن ننبه إلى ما وقع بالنصارى فى عهد الحاكم لقبح سلوكهم وتجبرهم وسوء استغلال كبارهم للمناصب المهمة التى بوّأتهم إياها الدولة آنذاك فانقلب الحاكم بأمر الله عليهم ونكل بهم، وإن لم ينفردوا دون سائر الشعب بهذا العسف مع توفر بواعثه فى حالتهم، وهو ما يكذّب ما قالته الخرافة المتخلفة تخلف عقل من اخترعها من أن وقوع المعجزة كان بدءا لعصر سلام تمتعت فيه الكنيسة بالازدهار. ذلك أنه لم يمض على المعجزة الكاذبة إلا قليل حتى جاء الحاكم وأدّب النصارى، وإن لم يكن نصيب المسلمين من عسفه أقل ما وقع بالنصارى من تأديب، بل قد يزيد.
ومما روته هذه الخرافة أيضا أن بطلها المسمى: "سمعان"، والذى يلقب مرة بــ"سمعان الخراز"، ومرة بــ"سمعان الدباغ" (وهو اضطراب آخر من الاضطرابات الكثيرة التى تعج بها الحدوتة السخيفة) كان أعور، إذ كان قد فقأ إحدى عينيه. لماذا، اسم الله عليه؟ قال: "قلعتها من أجل وصية الرب. فعندما نظرت لما ليس لى، فى شهوة، ورأيت أنى ماضى إلى الجحيم بسببها، فكرت وقلت: الأصلح لى أن أمضى من هذه الحياة بعين واحدة إلى المسيح خير من أمضى إلى الجحيم بعينين". وقد فسرت روايةٌ أخرى من روايات تلك الخرافة ما فعله ذلك المسكين بشىء من التفصيل على النحو التالى طبقا لما جاء عند عزت أندراوس فى الهامش رقم 11 لتلك الحدوتة فى "موسوعة تاريخ أقباط مصر"، إذ كتب قائلا: "عندما كان سمعان يقوم بعمله كإسكافى أتت إليه امرأه لتصلح نعل رجلها (خذوا بالكم والنبى من "نعل رجلها" هذه، وكأن هناك نعلا لليد، وآخر للرأس، وثالثا للأنف، ورابعا للأذن... وهلم جرا)، وكانت جميلة الصورة ، وعندما خلعت نعلها نظر إلى ساقها فنظرت عيناه إليها بشهوة، فأنّبته نفسه فضرب المخراز فى إحدى عينيه فأفرغها تنفيذا لوصية الرب: "إن كانت عينك اليمنى تُعْثِرك فاقلعها عنك، لأنه خير لك أن يَهْلِك أحد أعضائك ولا يُلْقَى جسدك كله فى نار جهنم" ( مت 5: 28- 29)... قد يقال أن سمعان الخراز تصرف بطريقة حرفيه، إلا أن هذا لا تنقص من قداسته لبساطته وإخلاصه وامانته فى تنفيذ هذه الوصية. كما أنه برهن على طهارته ونقاوة قلبه ورفضه للخطية التى تمكنت منه فى لحظه ضعف. كما أنه لم ينظر إلى المرأه بعين واحده وإنما الإثنين. فإنه أرد أن يعاقب نفسه على هذه النظرة الشريره التى إقتربت من الشهوة إلى حد أنها أصبحت فى حد ذاتها شهوة".
لكن فات سمعان والذين يقدسون سمعان، وهم بطبيعة الحال أحرار فى ذلك، أنه هو أو أى إنسان فى العالم عندما ينظر إلى شىء أو شخص فإنه ينظر إليه بعينيه الاثنتين لا بعين واحدة، فكيف اكتفى بقلع واحدة ولم يشفعها بالأخرى حتى يتأكد أنه لن يذهب إلى الجحيم ويعذَّب ولو نصف تعذيب؟ كذلك من غير الممكن أن تكون هذه هى المرة الوحيدة التى رأى فيها امرأة جميلة وتحركت نفسه إليها، وإلا ما كان بشرا سويا، وهو ما يكذبه تطلعه إلى قدم المرأة كما جاء فى تلك الخرافة. فلماذا لم يمض على سنته فيقلع العين الثانية بعد ذلك ما دام لم يقلعها أول مرة فيريح ويستريح؟ ثم لماذا لم يذهب فى ذات الاتجاه فيصلم أذنيه ويصب فيهما الآنُك كيلا يسمع صوتا أنثويا رقيقا أو مغناجا فيتطاول قلبه وتكون كارثة أخرى؟ ثم لماذا لم يستمر على نفس المنوال فيجدع أنفه ويسد فتحتيه بما يمتنع معه أن يشم عطر امرأة فواح يحرك أوتار خياله ونجد أنفسنا أمام كائنة أخرى من تلك الكوائن التى تؤدى بصاحبها إلى جهنم، والعياذ بالله؟ ثم إن الخرافة المضحكة قد نسيت أن تقول لنا ماذا فعلت المرأة صاحبة "الرِّجْل" التى تسببت فى هذه الكارثة. ذلك أننى أتصورها، حين رأت ما صنعه هذا المجنون، قد لطمت ورقَعت بالصوت الحَيّانى على عادة نساء مصر فى مثل تلك المواقف حتى تكأكا حولها خلق الله من كل حَدَب وصوب، وهى لا تكف عن الصياح واللطم والعويل (فهكذا سِلْو المصريات!)، وكانت حكاية شغلت الصحافة وبقية وسائل الأعلام العام بطوله! وبالمناسبة فلا يمكن أن تكون قدمها إلا قدما قشفة، وإلا فما الذى ينتظره الإنسان من امرأة تذهب إلى الإسكافى ليصلح لها نعلها الذى لا تملك غيره؟ ترى ما الذى كان قمينا أن يحدث لو كانت المرأة سيدة مترفة ذات قدم بضة مضيئة؟ لا أظن إلا أن سمعان الورع التقى كان سيسرع حينئذ إلى أقرب طبنجة ويطخّ بها رأسه ضمانا للنجاة، وهو لا يكاد يصدّق مع ذلك بأنه نجا!
ثم إنى أتساءل: كيف يا ترى يقال رغم هذا إن النصرانية هى ديانة الرحمة والخلاص، وإن المسيح قد فَدَى بدمه وصَلْبه البشرية من خطاياها؟ فإذا كان هذا هو السلوك المنتظر من المؤمنين بالمسيح إذا أرادوا نجاةً من نيران الجحيم طبقا لما وصاهم به هو نفسه، فما فائدة نزوله إذن من علياء ألوهيته أو ألوهية أبيه السماوى إلى دنيانا هذه بنت الجزمة القديمة؟ وفيم كانت كل تلك الدراما الرهيبة من قبض عليه وصلب له وقتل إياه؟ أوَطلع هذا كله على الفاضى؟ فلِمَ مكايدة النصارى إذن لغير النصارى وتحنيسهم إياهم بأنهم ليس لهم مسيح يفديهم كما لهم هم مسيح يفديهم ويخلصهم من خطيئتهم الأولى ويدخلهم ملكوت السماوات ما دامت المسألة فى نهاية المطاف سترسو على قلع الأعين وصلم الآذان وجدع الآناف تجنيا لأهوال جهنم، وهو ما لا وجود له ولا لفيمتو واحد منه فى دين محمد؟ والعجيب أن شريعة التوراة الموسومة بالقسوة والوحشية والمتَّهَم أصحابها بالحَرْفية والمظهرية والنفاق تخلو من مثل هذه الوصية الكارثية، فهل هذه هى الرحمة التى جاءت بها شريعة الإنجيل؟
أما شريعة محمد، الذى يتخذه الأوغاد غرضا لشتائمهم وبذاءاتهم ويريد بعض الناس أن نسكت على شتمه ولا نرد عنه قلة الأدب والصياعة الإجرامية، فإن لها رأيا آخر هو الحكمة كلها، والفقه كله، والعطف كله. جاء فى صحيح مسلم مثلا: "كُتِبَ على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطَا، والقلب يهوى ويتمنى. ويصدّق ذلك الفرج ويكذّبه"، وفى رواية ثانية: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة: فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنَّى وتشتهي. والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه".
و بطبيعة الحال فإن الرسول عليه السلام لا يشجع هنا على التساهل، بل يعصم النفوس من اليأس إن حسبت أنها يمكن أن تعلو تماما عن مطالب الجسد وشهواته وكأنها ملائكة نورانية لا غرائز عندها ولا تطلعات إلى متاع الحياة، ثم تفاجأ بأن ذلك مستحيل تماما مما يدفعها إلى الوقوع فى حمأة الإثم والتخبط فى شباكه ما دام ليس ثمة أمل من وراء الجهود المتلاحقة والحرمانات المتصلة. وهل هناك شخص يستطيع أن يزعم صادقا أنه قد نجح تمام النجاح فى ألا ينظر إلى امرأة فاتنة أو يسمع صوتا جميلا أو يشم عطرا فواحا طوال حياته، أو أنه نظر وسمع وشم ولم يكن لهذا أى تأثير فى نفسه على الإطلاق؟ إنه إذن لأكذب الكذابين وأشد المنافقين نفاقا والتواء! والعبرة على أى حال فى ألا يستجيب لصوت الشهوة أو ينساق معه، بل يوقفه بكل ما عنده من جهد. والبشر متفاوتون فى هذا الجهد: فمنهم من يتوقف سريعا فلا يمضى بعيدا فى خيالاته، ومنهم من يضعف فيترك لخواطره العنان، ومنهم من قد يمضى إلى ما هو أبعد من ذلك. وهذا ما نشاهده حولنا دون حذلقات ماسخة. وباب التوبة مفتوح دائما أبدا، والله يغفر الذنوب جميعا مهما غلظت وضخمت ما دام مجترحها يشعر بخطئه ويندم عليه ويعمل بكل وسعه على عدم المعاودة حتى لو تكرر وقوعه بعد ذلك فى الذنب. فالمهم أن يظل الضمير يقظا وألا يستسلم صاحبه للآثام فيجترحها على أنها أمرٌ عادىٌّ لا يستوجب الشعور بالذنب والخجل. فهذا أفضل من سد بيبان العفو والغفران وتيئيس الناس ودفعهم دفعا إلى الآثام والخطايا بإيهامهم أن سيئاتهم تجلّ عن المغفرة، مع أنه سبحانه قد تكفل بغفران الذنوب جميعا. والعجيب أن نرى السيد المسيح عليه السلام يتشدد كل هذا التشدد فى الوقت الذى لم تكن ذنوب أنبياء العهد القديم أنفسهم هى اجتراح الذنوب البسيطة من عيّنة النظر إلى ساق امرأة قشفة مثلا لا تثير شهوة صرصور، بل منهم من زنى، ومنهم من دلّس، ومنهم من حقد، ومنهم من قتل بضمير بارد وإجرام متوحش لا يعرف الندم، ومنهم من أعان زوجاته على عبادة الأصنام، مما تعد معه نظرة سمعان المسكين إلى ساق المرأة الجلفة حسنة من الحسنات تكفل لصاحبها مقعدا فى البريمو بملكوت السماء!
فى ضوء هذا نقرأ النصوص التالية من العهد الجديد: "«
( واما انا فاقول لكم ان كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك.لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك.لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم " (متي 5/27-30). ( فان اعثرتك يدك او رجلك فاقطعها وألقها عنك.خير لك ان تدخل الحياة اعرج او اقطع من ان تلقى في أتون النار الابدية ولك يدان او رجلان. وان اعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك.خير لك ان تدخل الحياة اعور من ان تلقى في جهنم النار ولك عينان ) (متى18/8-9). ( وان اعثرتك يدك فاقطعها.خير لك ان تدخل الحياة اقطع من ان تكون لك يدان وتمضي الى جهنم الى النار التي لا تطفأ.حيث دودهم لا يموت والنار لاتطفا.وان اعثرتك رجلك فاقطعها.خير لك ان تدخل الحياة اعرج من ان تكون لك رجلان وتطرح في جهنم في النار التي لا تطفاحيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ.وان اعثرتك عينك فاقلعها.خير لك ان تدخل ملكوت الله اعور من ان تكون لك عينان وتطرح في جهنم النار.حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ.) مرقس9/43-48). وأترك القارئ الآن ليقارن بين كلام وكلام ويرى بنفسه ولنفسه الفرق بين مثاليات متشنجة لا تؤكل عيشا (ولا "جاتوهًا"، حتى لا تنطّ لنا فيها الغبية مارى أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر!) ولا تؤدى بمتّبعها إلى شىء، اللهم إلا الكوارث أو الكذب والتشدق بما لا يستطيعه هو أو سواه، وبين تشريع إنسانى يلائم بين سمو المثالية وضغط الواقع الذى لا يمكن الإفلات تمام الإفلات منه، ويعرف من ثم أن شريعة محمد هى الشريعة الأجدر بالقبول لدى كل من عنده نظر فى عينيه، وعقل فى رأسه يفكر به ويعرف خلاصه، وإلا فلم تكن الجعجعة بقادرة يوما على أن تبلّغ صاحبها أى شىء!
ألا ما أسهل الكلام الجميل المنمق الذى يُسْكِر النفوس ويدغدغ المشاعر، لكنه عند التطبيق لا ينجلى عن أى طائل. وما هكذا تساس أمور البشر، بل السياسة السليمة هى التى تدفعنا فى طريق النجاة ولو خطوات بدلا من أن نظل نراوح أماكننا ونحن نهتف بالشعارات المثالية الباعثة مع ذلك على الضحك والمنتهية سريعا إلى اليأس والإحباط! ترى هل من المستطاع مثلا الحفاظ على أثوابنا من الاتساخ والعرق مهما اجتهدنا وبذلنا كل ما لدينا من وسع لاتقاء البقع والغبار والطين ورائحة إفرازات الجسد؟ إن هذا، بطبيعة الحال، أمر غير ممكن، وكل ما نستطيعه هو أن نغير دائما ملابسنا كلما اتسخت ولا نبقيها على أجسامنا بما تؤذى به العين من قذارة، والأنف من نتانة، عارفين أن ذلك لن يضع حدا لتلك القذارة ولا لتلك النتانة، وأنهما متكررتان لا محالة مما يستلزم تغيير الملابس من جديد والتخلص من القذارة والرائحة المزعجة... وهكذا دواليك. وبالمثل لا يمكن أن يتقى الإنسان الأخطاء الأخلاقية تماما وفى كل الأوقات والظروف. إن كثيرا من المنتمين إلى الإسلام مثلا لا يزنون ولا يسرقون ولا يتعاطون الخمور، ويصلون ويزكون ويحجّون ويؤدون واجبهم فى الحياة ويتقنون أعمالهم ويسعون فى طلب العلم ...، لكن هذا شىء، والزعم بأن هؤلاء وأمثالهم لا يقعون فى أية صغائر على الإطلاق شىء آخر تكذبه طبيعة الحياة ومنطق الواقع وما نعرفه من محدودية الطاقة الأخلاقية عند بنى الإنسان رغم قدرتها مع ذلك على التحليق فى عُلْيَا السماوات فى كثير من الحالات!
ومن التدليس النئ المفضوح قولهم إن المقطم إنما سمى: "مقطَّما" لأنه فى هذه المعجزة قد تقطم، أى تقطع قِطَعًا: "تحكى مخطوطة بدير الأنبا أنطونيوس أن الجبل المقطم سُمِّىَ كذلك، أى المقطَّم أو المقطَّع أو المقطَّب، لأن سطحه كان متساويا أى متصلاً، فصار ثلاث قطع، واحدة خلف الأُخرى، ويفصل بينهم مسافة. وتقول قواميس اللغة العربية أن كلمة "مقطم" معناها "مقطع"...". وها هنا عدة أمور: أولها هل تقطع الجبل؟ أم هل انتقل من مكانه؟ أم هل بقى على حاله الأولى؟ لنُعِدْ قراءة ما قالته الحدوتة فى هذا الصدد: "بعد تقديم الأسرار المقدسة التى رفعها البابا والأساقفة ردد المصلون بروح منكسرة وقلوب منسحقة صلاة "كيرياليسون: يارب أرحم" أربعمائة مرة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ثم صمتوا برهة بين يدى العلى. وأبتدأوا فى السجود والقيام ثلاث مرات، والأب البطريرك يرشم الجبل بالصليب، وإذ بزلزلة عظيمة تجتاح الجبل، وفى كل سجدة يندك الجبل، ومع كل قيام يرتفع الجبل إلى أعلى وتظهرالشمس من تحته، ثم يعود إلى مكانه فى كل مرة. إنها قوة الإيمان الذى أعلنه معلمنا الرسول بولس إذ قال: "أستطيع كل شئ فى المسيح يسوع الذى يقوينى" (فى 4 :13). عندما حدثت المعجزة فزع الخليفة المعز وأرتعب وكل الجموع المحتشدة معه، وهتف المعز بأعلى صوته قائلاً: عظيم هو الله، تبارك أسمه. وألتمس من البابا أن يكف عن عمله لئلا تنقلب المدينة. وعندما هدأت الأمور قال للبابا: لقد أثبتم أن إيمانكم هو إيمان حقيقى. بعد أن هدأت نفوس الجموع المحتشدة بدأوا ينزلون من الجبل ليعودوا إلى بيوتهم. أما البابا البطريرك فقد تلفت حوله باحثا عن القديس سمعان الخراز الذى كان يقف خلفه فلم يجده ولم يعثر أحد عليه بعد ذلك حتى أظهرته نعمة الله فيما بعد كما سنرى. تحكى مخطوطة بدير الأنبا أنطونيوس أن الجبل المقطم سُمِّىَ كذلك، أى المقطم أو المقطع أو المقطب لأن سطحه كان متساويا، أى متصلاً، فصار ثلاث قطع، واحدة خلف الأُخرى، ويفصل بينهم مسافة. وتقول قواميس اللغة العربية أن كلمة "مقطم" معناها "مقطع"...".
ومعنى السطور الثلاثة الأخيرة أن الجبل لم يكن اسمه سابقا: "المقطم" لأنه لم يكن قد انقطم قبل تلك الواقعة. لكنْ من الواضح أن كل ما حدث، حسبما تقول الخرافة المضحكة، هو أن الجبل قد ارتفع وهبط عدة مرات، والناس فوقه إلى آخر لحظة كما قلنا، ثم لا شىء آخر، إذ لا تذكر الحدوتة من قريب أو من بعيد أنه قد تقطع البتة أو انتقل من موضعه، وهو ما يعنى أن التفسير المقدم هنا لكلمة "المقطم"، وهو حصول المعجزة، ليس سوى كلام فارغ. ثم إذا عرفنا أن هذا الجبل كان معروفا عند العرب بهذا الاسم قبل ذلك بوقت طويل كان هذا دليلا آخر على كذب الحدوتة. وهذه بعض الشواهد على ذلك من شعر العرب ونثرهم قبل عصر الفاطميين: يقول أيمن بن خُرَيْم الأسدى (ت 80 هــ):
رَكِبْتُ مِنَ الْمُقَطَّمِ فِي جُمَادَى إِلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ البَرِيدَا
يقصد أنه سافر من مصر حيث كان عبد العزيز بن مروان واليا، إلى العراق الذى كان يتولاه أخوه بشر. ويقول كُثَيِّر عزة (40- 105هــ):
تُعَالِي وَقَد نُكّبنَ أَعلامَ عابِدٍ بِأَركانِها اليُسْرَى هِضابَ المُقطَّمِ
ويقول منصور بن إسماعيل الفقيه (ت 306هــ) فى الثناء على الشافعى وعلمه:
أَضحى بمصر دفينًا في مقطَّمِها نِعْمَ المُقَطَّم وَالمَدْفون في تُرْبِه
ويقول مُعَلّى الطائى (وهو من أهل القرنين الثانى والثالث الهجريين) فى رثاء جاريته وَصْف، وكان يحبها حبا شديدا فماتت ودفنت فى المقطم:
خَلَّيتِني فَرْدًا وبِـنْـتِ بـهـا
ما كنتُ قَبْلَكِ حافلا وكـفـا
فَتَرَكْتُها بالرَّغْم فـي جَـدَث
للرّيح يَنْسِف تُرْبَه نَـسْـفـا
دون المقطم لا ألـبـّسـهـا
من زينةٍ قُرْطًا ولا شَنْـفـا
أسْكَنْتها في قَعْر مُـظْـلِـمةِ
بيتًا يُصافِح تُرْبُه السـقْـفـا
بيتـًا إذا مـا زَاره أَحَـــدٌ
عَصَفَتْ به أيْدِي البِلَى عَصْفا
عدل سابقا من قبل احمد عامر محام في السبت 25 ديسمبر 2010, 08:59 عدل 4 مرات (السبب : ازاله حروف ذائده)
احمد عامر محام- مشرف المنتدى القانونى
- عدد المساهمات : 961
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 22/11/2010
رد: اكذوبه انتقال جبل المقطم والرد عليها
يمكن انا ديما بابعد عن تلك المواضيع التى تفرق ولا تجمع لكن استفزنى جدا ان يجلس رئيس تحرير جريدة الكواكب محمود سعد والذى كل تاريخه مع الصحافة هو تاريخ الفن والفنانين والفنانات والافلام والاغانى ليستمع لمضيفه ويؤكد على ان القصة حدثت بالفعل ومذكورة ومؤيدة فى كل كتب التاريخ
وردى الوحيد هو المثل القائل
قالوا الجمل طلع النخله آدى الجمل وآدى النخلة
كان من الاولى به ان يطلب دكتور جيولوجى او حتى طالب فى كلية العلوم ليرد عليه ويقول له عيب الكلام ده للجبال جذور وتراكيب وللتربه خصائص سهل جدا التأكد من انها تختلف اختلاف كلى فى المنطقتين كذلك ما العمل لو لم نجد تلك الجذور التى تمثل امتداد الجبل فى التربه فى بركة الفيل بالسيدة زينب كذلك من السهل ان نعمل مجسات للتربة بـ 100 جنيه لنعرف ان س لا تساوى ص
على العموم هذا هو ردى الضعيف اما من يريد الرد السليم فليدخل هنا
http://www.ebnmaryam.com/vb/t161768.html
وردى الوحيد هو المثل القائل
قالوا الجمل طلع النخله آدى الجمل وآدى النخلة
كان من الاولى به ان يطلب دكتور جيولوجى او حتى طالب فى كلية العلوم ليرد عليه ويقول له عيب الكلام ده للجبال جذور وتراكيب وللتربه خصائص سهل جدا التأكد من انها تختلف اختلاف كلى فى المنطقتين كذلك ما العمل لو لم نجد تلك الجذور التى تمثل امتداد الجبل فى التربه فى بركة الفيل بالسيدة زينب كذلك من السهل ان نعمل مجسات للتربة بـ 100 جنيه لنعرف ان س لا تساوى ص
على العموم هذا هو ردى الضعيف اما من يريد الرد السليم فليدخل هنا
http://www.ebnmaryam.com/vb/t161768.html
مواضيع مماثلة
» بعض الاستشارات والرد القانونى عليها .
» استشارات والرد عليها فى بعض مسائل الاحوال الشخصيه
» استشارات فى قانون العمل والرد القانونى عليها .
» انتقال واعراض الملاريا
» الزمالك لا يمانع في انتقال أمير عزمي اليه
» استشارات والرد عليها فى بعض مسائل الاحوال الشخصيه
» استشارات فى قانون العمل والرد القانونى عليها .
» انتقال واعراض الملاريا
» الزمالك لا يمانع في انتقال أمير عزمي اليه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 07 فبراير 2023, 19:43 من طرف اخوكم احمد
» شوت ايديا لادارة صفحات الفيس بوك المواقع الالكترونية وانشاء اعلانات الفيس بوك ويوتيوب shoot idea
الخميس 24 يونيو 2021, 05:44 من طرف shootidea
» ادارة صفحات السوشيال ميديا , اعلانات فيس بوك shoot idea
الثلاثاء 22 يونيو 2021, 06:57 من طرف shootidea
» بالأرقام.. ننشر فروق استهلاكات الكهرباء بين اللمبات العادية والليد
الأربعاء 04 ديسمبر 2019, 13:30 من طرف اخوكم احمد
» متصفح أوبرا الجديد يوفر 90% من فاتورة الإنترنت
الإثنين 02 ديسمبر 2019, 12:04 من طرف اخوكم احمد
» الرقم البريدى للمطرية القاهرة
الثلاثاء 01 أكتوبر 2019, 13:49 من طرف اخوكم احمد
» [رقم هاتف] رئاسة حى المطرية 44 ش الكابلات ميدان المطرية ..مصر
الإثنين 08 يوليو 2019, 16:16 من طرف اخوكم احمد
» قائمة السلع والخدمات المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة
الإثنين 05 فبراير 2018, 16:24 من طرف اخوكم احمد
» قاعات افراح .. بحميع محافظات مصر ... وبالاسعار والعنوانين
الأربعاء 10 يناير 2018, 12:48 من طرف اخوكم احمد
» محلات المطرية
الإثنين 01 يناير 2018, 12:32 من طرف اخوكم احمد