الباهر في أحكام صلاة المسافر

الباهر في أحكام صلاة المسافر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد فهذه طائفة من أحكام صلاة السفر التي تهم كل مسلم حيث لا ينبغي على المسلم التهاون في الصلاة بسبب السفر أو لأي سبب كان . ولأن الله عز وجل أمرنا بإقامة الصلاة حتى في حال الحرب والقتال فإنه لا يجب التهاون فيها ولا تأخيرها عن وقتها لحال السفر .
وجاءت الشريعة بتخفيف بعض أحكام الصلاة في أحوال معينة تيسيراً على العباد ورفعاً للحرج عنهم، و من تلك الأحوال حال السفر إذ السفر مظنة المشقة .
حكم الأذان والإقامة في السفر:
هذه المسألة محل خلاف ؛ روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلا في الصبح فإنه كان ينادي فيها ويقيم. وكان يقول إنما الأذان للإمام الذي يجتمع إليه الناس . والأرجح وجوب الأذان والإقامة على المسافرين ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وابن عم له : " إِذَا سَافَرْتمَا فَأَذِنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمّكُمَا أَكْبرُ كمَا". رواه البخاري. وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْم .
قصر الصلاة الرباعية في السفر :
المسافر يصلي الصلاة الرباعية ( الظهر – العصر – العشاء ) ركعتين من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع ؛ يقول تعالى : وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا {101- النساء }
والتقييد بالخوف غير معمول به ؛ عن يَعْلَى بنِ أُمَيّةَ قال: "قُلْتُ لِعُمَرَ بنِ الْخَطّابِ: أَرَأَيْتَ إِقْصَارَ النّاسِ الصّلاَةَ وَإِنّمَا قال الله عَزّ وَجلّ: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُم الّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَومَ، فقال عمر : عَجِبْتُ مِمّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صَدَقَةٌ تَصَدّقَ الله عَزّوَجلّ بِهَا عَلَيْكُم فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ " متفق عليه . وعَنْ عائشَةَ رَضيَ اللَّهُ عنْها قالتْ: "أول ما فُرضَت الصلاةُ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّت صَلاةُ السّفَر وَأُتِمّتْ صَلاةُ الحضَر" مُتّفَقٌ عَلَيه .
وقال ابن القيم في الهدى النبوي : كان يقصر صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في السفر البتة .
حكم القصر عند العلماء :قال بوجوبه ابن عباس وابن عمر وابن مسعود وغيرهم ، وهو مذهب الحنفية والظاهرية ، وقالت المالكية : إنه سنة مؤكدة آكد من الجماعة ، وقال الشافعية والحنابلة إنه جائز وهو أفضل من الإتمام ، وقال ابن تيمية : إن الإتمام مكروه .
إذا أتم المسافر في صلاة وقد نوى القصر: إذا أتم المسافر الصلاة ناسياً فإن صلاته صحيحة ولكن يسجد للسهو لأنه زاد زيادة غير مشروعة ناسياً فإن المشروع في حق المسافر أن يقتصر على ركعتين .
المسافة التي يسن فيها القصر :
حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو .
وجمهور الصحابة والتابعين والعلماء نظروا إلى المسافات التي قصر فيها الرسول – صلى الله عليه وسلم – فوجدوها ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ ؛ عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ قصر الصلاة وصلى ركعتين ( والفرسخ ثلاثة أميال والميل 1748 مترا )
ويقول الشيخ سيد سابق : المتبادر من الآية أن أي سفر في اللغة طال أو قصر تقصر من أجله الصلاة وتجمع ويباح في الفطر ، ولم يرد من السنة ما يقيد هذا الإطلاق .
ويرى ابن تيمية أن السفر هو ما جرى به العرف أنه سفر وان لم يبلغ ثمانين كيلو متراً وما قال الناس عنه:إنه ليس بسفر فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر. ونحن مع هذا الرأي .
ابتداء القصر
تبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته وإن كان يشاهدها فإذا خرج من المصر لا يقصر إلا إذا جاوز بيوته من الجهة التي خرج منها، ويلزم أن يجاوز كل البيوت، ولو كانت متفرقة متى كان أصلها من المصر، ويشترط أيضاً أن يجاوز ما حول المصر من المساكن ، وأن يجاوز القرى المتصلة بذلك . قال الشافعية : لا بد أن يصل إلى محل يعد فيه مسافراً عرفا ً.
المدة التي يقصر فيها المسافر :اختلف العلماء في ذلك ؛ فقال الشافعية والمالكية : إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام ، وقال أحمد يقصر إذا نوى الإقامة في مدة يجب عليه الصلاة فيها عشرين صلاة . وقال الحنفية : يقصر إذا نوى الإقامة أقل من خمسة عشر يوماً .
والمتأمل للسنة يجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحد السفر بزمان أو مكان ، يقول ابن تيمية : مادام المسافر مسافرا يقصر الصلاة ولو أقام شهورا .
صلاة المسافر خلف الإمام المقيم :
إذا صليت مع إمام مقيم لزمك الإتمام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا .( رواه الشيخان ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما جعل الإمام ليؤتم به " ( رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري ) ولأن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن الرجل إذا كان مسافرا وصلى مع الإمام يصلي أربعا َوإذا كان وحده يقصر؟ قال: تلك هي السنة فإذا سمعت النداء فاجب وأتم مع الإمام فلو صليت معه ركعتين وسلم فإن عليك أن تتم الركعتين الباقيتين .
ولكن لو أنك لم تسمع النداء أو كنت في مكان ناء عن المساجد أو فاتتك الجماعة فإنك تصلى الرباعية ركعتين ما دمت في البلد الذي سافرت إليه .
إذا أدرك المسافر ركعتين من الرباعية مع الإمام هل تكفيه لصلاته ؟
هذا غير جائز ؛ إذا دخل المسافر مع المقيم يجب أن يكمل أربع ركعات بعد تسليم الإمام لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " .
إمامة المسافر للمقيم:
يجوز للمسافر أن يكون إماماً للمقيمين، وإذا سلم المسافر بعد ركعتين يقوم المقيمون فيتمون الصلاة بعده ، ولكن ينبغي أن يخبرهم قبل الصلاة فيقول لهم إنا مسافرون فإذا سلمنا فأتموا صلاتكم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمكة عام الفتح وقال لهم : " أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر " ( رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ) فكان يصلي بهم ركعتين وهم يتمون بعده .

صلاة الرجل بأهله في السفر: لا بأس أن يصلي الرجل بأهله ومحارمه في السفر فقد كان النساء يحضرن الصلاة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنس وأمه واليتيم .
النافلة في السفر
لا يصلي المسافر راتبة الظهر والمغرب والعشاء ، ولكن يصلى الوتر وراتبة الفجر وغير ذلك من النوافل غير الرواتب المستثناة. قال ابن تيمية : يوتر المسافر ويركع سنة الفجر ، ويسن ترك غيرهما ، والأفضل له التطوع في غير السنن الراتبة .
هل يصلي المسافر التراويح وقيام الليل؟:
نعم يصلي التراويح ويقوم الليل ويصلي صلاة الضحى وغيرها من النوافل لكن لا يصلي راتبة الظهر أو المغرب أو العشاء كما قلنا .
من كان سفره دائماً هل يترخص برخص السفر؟قصر الصلاة متعلق بالسفر فما دام الإنسان مسافراً فإنه يشرع له قصر الصلاة سواء كان سفره نادراً أم دائماً إذا كان له وطن يأوي إليه ويعرف أنه وطنه.
جمع الصلاتين للمسافر:
يجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إما جمع تقديم وإما جمع تأخير حسب الأيسر له وسواء في ذلك إذا كان أثناء السير أو نازلا ؛ عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك ، فخرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً ( رواه أحمد والترمذي ).
قال الشافعي في الأم: قوله دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن يجمع نازلاً ومسافراً . ولا يجوز تأخير المجموعتين عن وقت الخيرة منهما فلا يجوز تأخير الظهر والعصر المجموعتين إلى غروب الشمس ولا تأخير المغرب والعشاء المجموعتين إلى ما بعد نصف الليل
صلاة النافلة عند الجمع :إذا جُمِعت الظهر إلى العصر جَمْع تقديم ، صار الوقت بعدها وقت الثانية ، فيَكون ما بعدها وقت ما بعد صلاة العصر ، وهو وقت نهي ، فيُنهى عن صلاة النافلة المطلقة حينئذ .
وإذا جُمِعت العشاء إلى المغرب جمع تقديم ، صار الوقت وقت الثانية ، فيجوز أن يُصلّى الوتر حينئذ .
قال ابن قدامة رحمه الله : وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة الثانية منهما ، ويُوتر قبل دخول وقت الثانية ؛ لأن سُنّتها تابعة لها ، فيتبعها في فعلها ووقتها ، والوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح ، وقد صلى العشاء فدخل وقته .
وقال أيضا : والنهي عن الصلاة بعد العصر مُتَعَلّق بِفِعل الصلاة ، فمن لم يُصلِّ أُبِيح له التنفّل وإن صلى غيره ، ومن صلى العصر فليس له التنفل ، وإن لم يُصَلّ أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر . اهـ .
صلاة الحضر في السفر:
من نسي صلاة حَضَر وذَكَرها في سَفَر ، صلاّها صلاة حضر ، أي : انه يُصليها من غير قصر ، فلو نسي صلاة الظهر ، أو صلاها على غير طهارة ناسيا ، ثم ذكرها في السفر ، فإنه يُصليها أربع ركعات . قال الجدّ ابن تيمية : من ذَكَر صلاة سفر في حضر ، أو صلاة حضر في سفر ، أو ائتم بمقيم فيما يعتد به ، أو بمن يشك هل هو مسافر أم لا ، أو فسدت صلاته خلف مقيم فأعادها ؛ لزمه أن يُتِمّ ذلك كله .
صلاة الجمعة للمسافر:
المسافر لا تسقط عنه الجمعة إذا كان في مكان تقام فيه الجمعة، و لم يكن عليه مشقة في حضورها لعموم قوله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فيجب عليه حضور الجمعة ليصلي مع المسلمين ، ولا تسقط عنه صلاة الجماعة لعموم الأدلة أيضاً.
جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة:
لا تجمع العصر إلى الجمعة لعدم ورود ذلك في السنة ولا يصح قياس ذلك على جمعها إلى الظهر للفروق الكثيرة بين الجمعة والظهر والأصل وجوب فعل كل صلاة في وقتها إلا بدليل يجيز جمعها إلى الأخرى.
السفر قبل صلاة الجمعة:
السفر يوم الجمعة إن كان بعد أذان الجمعة الثاني فإنه لا يجوز لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فلا يجوز للإنسان أن يسافر في هذا الوقت لأن الله قال: (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وإذا كان السفر قبل ذلك فإن كان سيصلى الجمعة في طريقه مثل أن يسافر من بلده وهو يعلم أنه سيمر على بلد آخر في طريقه ويعرج عليه ويصلي الجمعة فيه فهذا لا بأس به وإن كان لا يأتي بها في طريقه فمن العلماء من كرهه ومن العلماء من حرمه ومن العلماء من أباحه وقال إن الله تعالى لم يوجب علينا الحضور إلا بعد الأذان والأحسن ألا يسافر إلا إذا كان يخشى من فوات رفقته.
رخص السفر:
1- صلاة الرباعية ركعتين .
2- الفطر في رمضان ويقضيه عدة من أيام أخر .
3- المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها ابتداء من أول مسح .
4- سقوط رواتب الظهر والمغرب والعشاء أما راتبة الفجر والوتر وبقية النوافل فإنها باقية على مشروعيتها واستحبابها .
5- الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض وهما الظهر والعصر أو المغرب والعشاء .
---------------------------------------------------------------------------------------------
كتبها : جمال الدين أحمد
المراجع : الفقه على المذاهب الأربعة للشيخ عبد الرحمن الجزيري . بداية المجتهد لابن رشد الحفيد .
فتح القدير، شرح الجامع الصغير للشيخ عبد الرؤوف المناوي . شرح مسلم للنووي .
نصب الراية في أحاديث الهداية للشيخ جمال الدين الزيلعي . المغني لابن قدامة .
نيل الأوطار للشوكاني . سبل السلام للصنعاني . مجموع فتاوى ابن تيمية
منهاج المسلم للشيخ أبو بكر الجزائري . فقه السنة للشيخ سيد سابق .
من فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين . تحفة الأحوذي شرح صحيح الترمذي للمباركفوري .
تهذيب سنن أبي داود لابن القيم . عون المعبود، شرح سنن أبي داوود للآبادي .
فتح الباري لابن حجر العسقلاني . فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي .
الدين الخالص للشيخ محمود خطاب . تمام المنة في فقه الكتاب والسنة للشيخ عادل العزازي .