أيام في تركيا.. "1": الإعجاب بالثورة مقدمة الحديث

كنت أحد أعضاء وفد الصحفيين المصريين الذين زاروا تركيا الأسبوع الماضي.
استقبلنا الرئيس التركي عبدالله جول في قصره الرئاسي باسطنبول.. استمر اللقاء معه حوالي الساعة. ثم اصطحبنا إلي حديقة القصر المطلة علي مضيق البوسفور لالتقاط الصور التذكارية.
حضر اللقاء مستشاره الخاص إرشاد هورموزلو. الذي قام بترجمة الحوار مع الرئيس جول من التركية إلي العربية.. وقد نشرت "الجمهورية" أهم ما جاء في هذا الحوار يوم الخميس الماضي "صفحة 13".
كان الرئيس جول معجبا بالثورة المصرية بدرجة كبيرة.. وصفها بأنها ثورة عظيمة.. وأعجبه أنه لم يتم الإجهاز علي مؤسسات الدولة أثناء أحداث الثورة. فظلت هذه المؤسسات تعمل لخدمة المواطنين.. اعتبر أن ذلك سلوك حضاري يؤكد علي أن الشعب المصري قادر علي عبور المرحلة الانتقالية التي يمر بها الآن والوصول بمصر إلي أعلي مراتب الحضارة العصرية.
نفس الإعجاب سمعناه من السيد إرشاد هورموزلو قبل أن يبدأ اللقاء مع الرئيس جول.. قال هورموزلو إن أكثر ما أعجبه في الثورة المصرية. وجعله ينبهر بسلوك الشعب المصري أثناء الثورة.. هما أمران - الأول: الأيادي المتماسكة لشباب ورجال ونساء المصريين الذين وقفوا لحماية المتحف المصري فحافظوا بذلك علي آثار أجدادهم.. بينما نجد في العراق مثلا أن المتحف العراقي دمر تماما وسلبت محتوياته!.. والأمر الثاني: هو اللجان الشعبية التي وقفت في الشوارع لحراسة البيوت وحماية الأسر من البلطجية واللصوص الذين فروا من السجون.
***
الإعجاب بالثورة المصرية كان مقدمة الحديث في كل مكان ذهبنا إليه.. معظم الأماكن التي زرناها كانت مؤسسات إعلامية.. ومعظم من التقينا بهم زاروا مصر. أو درسوا وعاشوا فيها بعض الوقت. فأخذوا يحدثوننا عن ذكرياتهم وانطباعاتهم عن ثورة 25 يناير.
في أنقرة زرنا مقر التليفزيون التركي ¢T.R.T" والتقينا هناك مع السيد أحمد شاويش أوغلو مديره العام ورئيس قسم الأخبار.. عاش في مصر فترتين.. الأولي منذ 25 عاما واستمرت 9 شهور فقط قضاها في التدريب بكلية الإعلام جامعة القاهرة. والثانية منذ 5 سنوات واستمرت 8 شهور كان يعمل خلالها مراسلا للتليفزيون التركي.. استقبلنا بالقول: ثورتكم جميلة.. ألف مبروك. ثم بدأ يحكي لنا عن ذكرياته في القاهرة منذ 25 عاما عندما ذهب لزيارة مقر التليفزيون المصري.. قال: وجدت مبني رائعا. لم يكن لدينا في تركيا مثيل له.. لكنني عندما دخلته وسرت فيه. وجدت أن في كل عشرة أمتار رجل شرطة.. بعد ذلك عرفت أن الطريقة الوحيدة للبقاء في الحكم في مصر هي السيطرة علي الإعلام.. وأن قسط الحرية المتوفر لوسائل الإعلام يوجه لخدمة المستبدين فقط..!!
قال أيضا: عندما عرضوا عليه العمل في مصر منذ 5 سنوات. رفض في البداية. وقال لهم: لقد كنت في مصر منذ 20 عاما وكان مبارك في الحكم.. الآن مازال مبارك في الحكم. فما الذي تغير في مصر لكي أذهب لرؤيته.. لا شيء!!.. لكنهم أقنعوه بضرورة الحضور إلي مصر للعمل كمراسل للتليفزيون التركي. لا سيما أنه يتحدث العربية.. وعندما وقع العدوان الإسرائيلي علي غزة في ديسمبر 2008. ذهب لتغطية مظاهرة خرجت من جامع الأزهر الشريف للتنديد بالعدوان. فوجد أن عدد رجال الشرطة يساوي عدد المتظاهرين.. فقال لنفسه: إذا كان نظام الحكم في مصر سيقمع الشعب بواسطة الشرطة السرية. فهذا منتهي الظلم..!!
ثم علق علي اسم "الحزب الوطني الديمقراطي" فقال: إن الأحزاب الحاكمة المستبدة في أي دولة في العالم تحرص دائما علي تسمية نفسها بالحزب الديمقراطي.. حدث ذلك في تركيا في أعقاب الانقلاب العسكري الذي وقع في 12 يوليو ..1980 وحدث في باكستان زمن ضياء الحق.. وحدث في مصر.. مشيرا إلي أن الدول الثلاث هي أكبر ثلاث دول إسلامية في العالم. ولو أدارت الحكم فيها بطريقة ديمقراطية صحيحة تقوم علي الشفافية والنزاهة والإعلام الحر. فإن ذلك سوف يغير صورة المسلمين في العالم إلي الأفضل.. لكن فساد الحكم في باكستان أسقط الدولة في يد الفقر ولم تستطع الوصول إلي الديمقراطية.. مصر أيضا ظلت فقيرة لأنه لم يستطع أحد قبل الثورة محاسبة المسئولين الكبار فيها.. أما الوضع في تركيا فقد تغير الآن وأصبح الكل يخضع للمحاسبة بما في ذلك قيادات الجيش.
أضاف: ربما كان أحد أسباب انتشار الفساد في العالم الإسلامي. أننا في الثقافة الإسلامية نترك "الحساب" للآخرة.. لكننا بدأنا في تركيا نحاسب الناس في الدنيا أيضا.
***
تحدث السيد أحمد شاويش أوغلو مدير التليفزيون التركي لنا عن الوضع في تركيا.. قال: لسنا دولة حرة بشكل كامل. لكننا نتطلع إلي الحرية.. ثم فسر سبب ذلك بأن العلمانيين في تركيا يريدون القيام بانقلاب عسكري والعودة بالأوضاع في تركيا إلي الوراء..!
بالنسبة للأكراد.. قال إنهم يمثلون حوالي 10% فقط من الشعب التركي. رغم ذلك فإنه من بين ال 550 نائبا في البرلمان يوجد 200 نائب من أصول كردية.. أما حزب السلام والديمقراطية الكردي فلم يحصل سوي علي 50% من أصوات المنطقة الكردية التي تضم 7 محافظات في الجنوب الشرقي لتركيا.. ويمثله في البرلمان 30 عضوا.
أضاف: ليس لدينا أية مشكلة مع الشعب الكردي في تركيا.. لكن حزب العمال الكردستاني - الذي يرأسه عبدالله أوجلان - هو الذي يسعي إلي تقسيم تركيا بقوة السلاح.. هذا الحزب علي علاقة قوية بالموساد الإسرائيلي. ويستغل أجواء الديمقراطية التي ترسخت في تركيا لزيادة نشاطه.. لقد أصبح ينفذ عملياته بتقنية عالية المستوي مستوردة من إسرائيل.. لكنه لن يستطيع تحقيق هدفه. لأن الأكراد كما أوضحت هم شركاء لنا في الحكم. ولأن الحكومة تبذل جهودا كبيرة في النهوض بالمناطق الكردية.. إن حزب العمال الكردستاني نشط جدا في المناطق الفقيرة بتركيا. حيث يستغل فقر الناس لإثارة سخطهم علي الحكومة. ويعرقل جهود الحكومة للنهوض بهذه المناطق.. المثال علي ذلك أن الحكومة التركية تحاول إقامة مطار في المنطقة الكردية لربطها بالعالم.. لكن حزب العمال الكردستاني يقوم بتخريب كل محاولة لإقامة هذا المطار.
***
ثم عاد شاويش أوغلو مرة أخري للحديث عن ذكرياته في مصر.. قال: خلال إقامتي في مصر لاحظت أن نمط الحياة والعادات والتقاليد وطريقة تفكير المصريين لا تختلف عن الأتراك. فنحن نفرح لنفس الأشياء ونحزن لنفس الأشياء. ونحمل نفس المشاعر. وتجمعنا نفس الآمال.. بيننا روابط شعبية قديمة وقوية لا يمكن أن تضعف أبدا. وإذا كانت بعض الفترات قد شهدت برودا في العلاقات بين مصر وتركيا. فإن ذلك يرجع إلي الحكام وليس إلي الشعبين.. لأن المصريين والأتراك يحبون بعضهم البعض وليس بينهم منافسة.. بل بينهما تعاون وعلاقات نسب ومصاهرة. وإذا وضع المصريون والأتراك أيديهم في أيدي بعضهم. فإنهم سيصبحون أكبر قوة في المنطقة.
ثم اصطحبنا الرجل إلي جولة قصيرة في أرجاء مبني التليفزيون التركي.. قال: كما تلاحظون فإن جدران الغرف كلها من الزجاج الشفاف. وهذا يعكس طريقة تفكيرنا التي تقوم علي الشفافية والنزاهة وعدم وجود أجندات سرية.. هناك 14 قناة يبثها تليفزيون ¢T.R.T".. منها قناة باللغة العربية. وقريبا ستبث قناة باللغة الإنجليزية.
بعد الجولة صافحنا الرجل بحرارة وهو يحملنا السلامات إلي النيل والأهرامات.. قال: مصر هي فعلا أم الدنيا كما يقولون.. لكن عندي خوف من أن ثورتكم لم تكمل طريقها بعد. فهل ستنتقلون إلي مرحلة جديدة من الديمقراطية الحقيقية. أم سيأتي "مبارك" آخر يحكمكم..؟!
....................................
بقلم :السيد هاني
elsayedhany2@yahoo.com