سمو الحب - مصطفى صادق الرافعى

بسم الله الرحمن الرحيم

من كتاب من وحى القلم
سمو الحب
مصطفى صادق الرافعى

صاح المنادى فى موسم الحج ’’لا يفتى الناس الا عطاء بن ابى رباح,, وكذلك كان يفعل خلفاء بنى امية يأمرون صائحهم فى الموسم أن يدل الناس على مفتى مكة وامامها وعالمها ليلقوه بمسائلهم فى الدين ثم ليمسك غيره عن الفتوى اذ هو الحجة القاطعة لا ينبغى أن يكون معها غيرها مما يختلف عليها أو يعارضها وليس للحجيج الا أن تظاهرها وتترادف على معناها
وجلس عطاء يتحين الصلاة فى المسجد الحرام فوقف عليه رجل وقال يا أبا محمد انت افتيت كما قال الشاعر :
سل المفتى المكى : هل فى تزاور وضمة مشتاق الفؤاد حناح
فقال : معاذ الله أن يذهب التقى تلاصق اكباد بهن جراح

فرفع الشيخ رأسه وقال : والله ما قلت شيئا من هذا ولكن الشاعر هو نحلنى هذا الرأى الذى نفثه الشيطان على لسانه وانى لأخاف أن تشيع القالة فى الناس فاذا كان غد وجلست فى حلقتى فاغد على فإنى قائل شيئاً
وذهب الخبر يؤج النار وتعالم الناس أن عطاء سيتكلم فى الحب وعجبوا كيف يدرى الحب أو يحسن أن يقول فيه من غبر عشرين سنة فراشه المسجد وقد سمع من عائشة أم المؤمنين وابى هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عباس بحر العلم
وقال جماعة منهم : هذا الرجل صامت اكثر وقته وما تكلم الا خيل الى الناس انه يؤيد بمثل الوحى فكأنما هو نجى ملائكة يسمع ويقول فلعل السماء موحية الى الارض بلسانه وحيا فى هذه الضلالة التى عمت الناس وفتنتهم بالنساء والغناء
ولما كان غد جاء الناس ارسالا الى المسجد حتى اجتمع منهم الجمع الكثير وقال عبد الرحمن بن عبد الله أبى عمار : وكنت رجلا شاباً من فتيان المدينة وفى نفسى ومن الدنيا ومن هوى الشباب فغدوت مع الناس وجئت وقد تكلم أبو محمد وأفاض ولم اكن رأيته من قبل فنظرت اليه فإذا هو فى مجلسه كأنه غراب أسود إذ كان ابن امة سوداء تسمى "بركة" ورأيته مع سواده أعور أفطس أشل مفلفل الشعر لا يتأمل المرء منه طائلا ولكنك تسمعه يتكلم فتظن منه ومن سوادة - والله - أن هذه قطعة ليلي تسطع فيها النجوم وتصعد من حولها الملائكة وتنزل
قال: وكان مجلسه فى قصة يوسف عليه السلام ووافقته وهو يتكلم فى تأويل

قوله تعالى "وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربى احسن مثواى انه لايفلح الظالمون .ولقد همت به لولا ان رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء "

**************
يتبع قريباً بإذن الله

[img][/img]