الانهيار الاقتصادى أكذوبة مدبرة

بقلم \ محمد البرغوثي

أصابنى الذهول وأنا أطالع مانشيت جريدة «الأهرام» صباح السبت الماضى، تحت عنوان «تحسن الاقتصاد قبل التفاوض مع صندوق النقد». فى البدء، تصورت هذا التحسن المزعوم مجرد تطمينات إنشائية لا تستند إلى حقائق، وتوقعت أن يتعرض رئيس تحرير الأهرام إلى لوم قاس من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى دأب على إرهاب المجتمع كله من الانهيار الاقتصادى الذى تتعرض له مصر بسبب تداعيات ثورة 25 يناير.

ولكن الذهول راح يتعمق فى اتجاه آخر مع الاستمرار فى قراءة المانشيت فى الصفحة الأولى، ومع قراءة تفاصيله فى صفحة 18 من «الأهرام»، لأننى وجدت نفسى أمام تصريحات منسوبة لمسؤول محدد هو الدكتور محمود عيسى، وزير الصناعة والتجارة الخارجية، وأمام أرقام واضحة ومحددة لا تترك مجالاً للتوقع أو للانطباع الشخصى، ولهذا تمثل هذه الحقائق التى كشف عنها وزير الصناعة لجريدة «الأهرام» مفاجأة مدهشة، تتناقض كلياً مع الدعاية السوداء التى مارستها أجهزة الدولة حول انهيار الاقتصاد بسبب الثورة، واستغلها المنافقون من كتاب السلطة فى حض المواطنين على كراهية الثوار وتهيئة الرأى العام لقبول ملاحقتهم وتقديمهم لمحاكمات عاجلة فى تهم ملفقة.

تكشف الحقائق الموثقة بأرقام تفصيلية عن أن الاقتصاد المصرى فى عام 2011 شهد تحسناً كبيراً فى مجال الصادرات وصل إلى 18.5٪، حيث ارتفع إجمالى صادرات مصر إلى 130 ملياراً، و760 مليون جنيه فى 2011، مقارنة بـ110 مليارات و259 مليون جنيه فى 2010.

وتقول الأرقام تفصيلياً إن صادرات مصر من مواد البناء زادت بنسبة 22.8٪ لتصل إلى 34.5 مليار جنيه، والصناعات الغذائية بنسبة 16٪ والغزل والمنسوجات بنسبة 16٪ والصادرات الهندسية بنسبة 15.8٪، والحاصلات الزراعية بنسبة 3٪، والصناعات الطبية بنسبة 2.3٪، وإجمالاً فقد حققت 10 مجالس تصديرية ارتفاعاً كبيراً فى الصادرات مقابل تراجع صادرات مجلسين فقط هما: «الأحذية والمنتجات الجلدية والجلود» الذى تراجعت صادراته عام 2011 بنسبة 7٪، و«الكتب والمصنفات الفنية» الذى بلغت صادراته 115 مليون جنيه فقط بنسبة تراجع أقل من 1٪.

وما أعرفه - وهو قليل - عن الاقتصاد عموماً، أن زيادة الصادرات تعنى بالأساس زيادة الإنتاج، كما تعنى أن إغراق الصحف والفضائيات بالنواح الكئيب على توقف عجلة الإنتاج وانهيار الصادرات وخراب الاقتصاد كان فى جانب منه مقصوداً ومدبراً لإرهاب المواطنين وحضهم على كراهية الثورة والثوار، وفى جانب آخر كان استسلاماً كسولاً لهذه الدعاية الكريهة التى اقترنت بالتخطيط المنظم لإجهاض الثورة.

صحيح أن تحليل هذه الأرقام قد يؤدى إلى اكتشاف حقائق أخرى لا تدعو إلى الاطمئنان أو التهليل الإعلامى، من بينها مثلاً أن صادرات الموارد الناضبة مثل مواد البناء والكيماويات استحوذت على أكثر من 61.5 مليار جنيه من جملة الصادرات، وأن السلع الضرورية للشعب مثل الصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية استحوذت على 27.6 مليار جنيه، وهو خلل اقتصادى منهجى فى أداء الرأسمالية المصرية التى حققت مكاسب فاحشة قبل الثورة، وحققت مكاسب أكثر فحشاً بعد الثورة، ولا تريد أبداً لهذه الثورة أن تكتمل، وقد دأبت السلطة القائمة المتحالفة مع بارونات المال على تشويه الثورة، واخترعت فزاعة تراجع الإنتاج وانهيار الصادرات لإبقاء الوضع الاقتصادى المصرى كما كان عليه خادماً وتابعاً للرأسمالية المحلية والعالمية المتوحشة.